ذلك. والشافعي ـ رحمهالله ـ يعد «بسم الله الرحمن الرحيم» آية من الحمد ، وكثير من قراء مكة والكوفة لا يعدون (أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٧]. ومالك ـ رحمهالله ـ ، وأبو حنيفة ، وجمهور الفقهاء ، والقراء ، لا يعدون البسملة آية. والذي يحتمله عندي حديث جابر ، وأبي هريرة ـ إذا صحّا ـ أن النبيصلىاللهعليهوسلم رأى قراءة جابر وحكايته أمر الصلاة قراءة في غير صلاة على جهة التعلم فأمره بالبسملة لهذا لا لأنها آية. وكذلك في حديث أبي هريرة رآها قراءة تعليم ، ولم يفعل ذلك مع أبيّ لأنها قصد تخصيص السورة ووسمها من الفضل بما لها ، فلم يدخل معها ما ليس منها ، وليس هذا القصد في حديث جابر وأبي هريرة ، والله أعلم.
وقال ابن المبارك : «إن البسملة آية في كل سورة» ، وهذا قول شاذ رد الناس عليه. وروى الشعبي والأعمش أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان يكتب «باسمك اللهم» ، حتى أمر أن يكتب «بسم الله» فكتبها. فلما نزلت (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) [الإسراء : ١١٠] كتب : «بسم الله الرحمن». فلما نزلت : (إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) [النمل : ٣٠] كتبها.
وروى عمرو بن شرحبيل : أن جبريل أول ما جاء النبي عليهالسلام قال له : قل : «بسم الله الرحمن الرحيم».
وروي عن ابن عباس : أن أول ما نزل به جبريل : «بسم الله الرحمن الرحيم». وفي بعض طرق حديث خديجة وحملها رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى ورقة ، أن جبريل قال للنبي عليهماالسلام : قل : «بسم الله الرحمن الرحيم» فقالها : فقال : اقرأ ، قال : ما أنا بقارئ ... الحديث.
والبسملة تسعة عشر حرفا. فقال بعض الناس : إن رواية بلغتهم أن ملائكة النار الذين قال الله فيهم (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) [المدثر : ٣٠] إنما ترتب عددهم على حروف بسم الله الرحمن الرحيم ، لكل حرف ملك ، وهم يقولون في كل أفعالهم : «بسم الله الرحمن الرحيم» فمن هنالك هي قوتهم ، وباسم الله استضلعوا.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه : وهذه من ملح التفسير ، وليست من متين العلم ، وهي نظير قولهم في ليلة القدر : «إنها ليلة سبع وعشرين» ، مراعاة للفظة هي في كلمات سورة (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) [القدر : ١] ونظير قولهم في عدد الملائكة الذين ابتدروا قول القائل : «ربنا ولك الحمد حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه» ، فإنها بضعة وثلاثون حرفا ، قالوا : فلذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لقد رأيت بضعة وثلاثين ملكا يبتدرونها أيهم يكتبها أول». والباء في : بسم الله متعلقة عند نحاة البصرة باسم تقديره ابتداء مستقر أو ثابت بسم الله وعند نحاة الكوفة بفعل تقديره ابتدأت بسم الله ، فبسم الله في موضع رفع على مذهب البصريين ، وفي موضع نصب على مذهب الكوفيين ، كذا أطلق القول قوم ، والظاهر من مذهب سيبويه أن الباء متعلقة باسم كما تقدم ، وبسم الله في موضع نصب تعلقا بثابت أو مستقر بمنزلة : في الدار من قولك زيد في الدار ، وكسرت باء الجر ليناسب لفظها عملها ، أو لكونها لا تدخل إلا على الأسماء فخصت بالخفض الذي