واختلف الناس في (حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) بعد الإجماع على أهل مكة وما اتصل بها ، وقال الطبري : بعد الإجماع على أهل الحرم ، وليس كما قال : فقال بعض العلماء : من كان حيث تجب الجمعة عليه بمكة فهو حضري ، ومن كان أبعد من ذلك فهو بدوي.
قال القاضي أبو محمد : فجعل اللفظة من الحضارة والبداوة ، وقال بعضهم : من كان بحيث لا تقصر الصلاة إلى مكانه فهو حاضر أي شاهد ، ومن كان أبعد من ذلك فهو غائب ، وقال عطاء بن أبي رباح : مكة وضجنان وذو طوى وما أشبهها حاضر والمسجد الحرام.
وقال ابن عباس ومجاهد : أهل الحرم كله حاضر والمسجد الحرام ، وقال مكحول وعطاء : من كان دون المواقيت من كل جهة حاضر والمسجد الحرام.
وقال الزهري : من كان على يوم أو يومين فهو من حاضري المسجد الحرام ، ثم أمر تعالى بتقواه على العموم ، وحذر من شديد عقابه.
وقوله تعالى : (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ) ، في الكلام حذف تقديره : أشهر الحج أشهر ، أو : وقت الحج أشهر ، أو : وقت عمل الحج أشهر ، والغرض إنما هو أن يكون الخبر عن الابتداء هو الابتداء نفسه ، والحج ليس بالأشهر فاحتيج إلى هذه التقديرات ، ومن قدر الكلام : الحج في أشهر ، فيلزمه مع سقوط حرف الجر نصب الأشهر ، ولم يقرأ بنصبها أحد.
وقال ابن مسعود وابن عمر وعطاء والربيع ومجاهد والزهري : أشهر الحج شوال وذو القعدة وذو لحجة كله.
وقال ابن عباس والشعبي والسدي وإبراهيم : هي شوال وذو القعدة وعشر ذي الحجة ، والقولان لمالك رحمهالله ، حكى الأخير ابن حبيب ، وجمع على هذا القول الأخير الاثنان وبعض الثالث كما فعلوا في جمع عشر فقالوا عشرون لعشرين ويومين من الثالث ، وكما قال امرؤ القيس : [الطويل]
ثلاثون شهرا في ثلاثة أحوال
فمن قال إن ذا الحجة كله من أشهر الحج لم ير دما فيما يقع من الأعمال بعد يوم النحر لأنها في أشهر الحج ، وعلى القول الآخر ينقضي الحج بيوم النحر ويلزم الدم فيما عمل بعد ذلك.
وقوله تعالى : (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَ) أي من ألزمه نفسه ، وأصل الفرض الحز الذي يكون في السهام والقسي وغيرها ، ومنه فرضة النهر والجبل ، فكأن من التزم شيئا وأثبته على نفسه قد فرضه ، وفرض الحج هو بالنية والدخول في الإحرام ، والتلبية تبع لذلك ، و (مِنْ) رفع بالابتداء ، ومعناها الشرط ، والخبر قوله (فَرَضَ) لأن (مِنْ) ليست بموصولة فكأنه قال فرجل فرض ، وقوله (فَلا رَفَثَ) يحتمل أن يكون الخبر ، وتكون (فَرَضَ) صفة.
وقوله تعالى : (فِيهِنَ) ولم يجىء الكلام فرض فيها : فقال قوم : هما سواء في الاستعمال.
وقال أبو عثمان المازني : «الجمع الكثير لما لا يعقل يأتي كالواحدة المؤنثة ، والقليل ليس كذلك ،