يَشاءُ) ، أي كما هديناكم إلى قبلة إبراهيم وشريعته كذلك جعلناكم أمة وسطا ، و (أُمَّةً) مفعول ثان ، و (وَسَطاً) نعت ، والأمة القرون من الناس ، و (وَسَطاً) معناه عدولا ، روي ذلك عن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، وتظاهرت به عبارة المفسرين ، والوسط الخيار والأعلى من الشيء ، كما تقول وسط القوم ، وواسطة القلادة أنفس حجر فيها ، والأمير وسط الجيش ، وكقوله تعالى (قالَ أَوْسَطُهُمْ) [القلم : ٢٨] ، والوسط بإسكان السين ظرف مبني على الفتح ، وقد جاء متمكنا في بعض الروايات في بيت الفرزدق :
فجاءت بملجوم كأن جبينه |
|
صلاءة ورس وسطها قد تفلقا |
برفع الطاء والضمير عائد على الصلاءة ، وروي بفتح الطاء والضمير عائد على الجائية ، فإذا قلت حفرت وسط الدار أو وسط الدار فالمعنى مختلف.
قال بعض العلماء : أمة محمد صلىاللهعليهوسلم لم تغل في الدين كما فعلت اليهود ، ولا افترت كالنصارى ، فهي متوسطة ، فهي أعلاها وخيرها من هذه الجهة ، وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : «خير الأمور أوساطها» أي خيارها ، وقد يكون العلو والخير في الشيء لما بأنه أنفس جنسه ، وأما أن يكون بين الإفراط والتقصير فهو خيار من هذه الجهة و (شُهَداءَ) جمع شاهد في هذا الموضع.
واختلف المفسرون في المراد ب (النَّاسِ) في هذا الموضع ، فقالت فرقة : هم جميع الجنس ، وأمة محمد صلىاللهعليهوسلم تشهد يوم القيامة للأنبياء على أممهم بالتبليغ ، وذلك أن نوحا تناكره أمته في التبليغ ، فتقول له أمة محمد نحن نشهد لك ، فيشهدون ، فيقول الله لهم : كيف شهدتم على ما لم تحضروا؟ ، فيقولون : أي ربنا جاءنا رسولك ونزل إلينا كتابك فنحن نشهد بما عهدت إلينا وأعلمتنا به ، فيقول الله تعالى : صدقتم ، وروي في هذا المعنى حديث صحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، وروي عنه أن أمته تشهد لكل نبي ناكره قومه ، وقال مجاهد : معنى الآية تشهدون لمحمد صلىاللهعليهوسلم أنه قد بلغ الناس في مدته من اليهود والنصارى والمجوس.
وقالت طائفة : معنى الآية يشهد بعضكم على بعض بعد الموت كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم حين مرت به جنازة فأثني عليها بالخير ، فقال : وجبت ، ثم مر بأخرى ، فأثني عليها بشرّ ، فقال : وجبت ، يعني الجنة والنار ، فسئل عن ذلك ، فقال : «أنتم شهداء الله في الأرض» ، وروي في بعض الطرق أنه قرأ (لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ).
(وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً) قيل : معناه بأعمالكم يوم القيامة ، وقيل : عليكم بمعنى لكم أي يشهد لكم بالإيمان ، وقيل : أي يشهد عليكم بالتبليغ إليكم.
وقوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها) الآية ، قال قتادة والسدي وعطاء وغيرهم : القبلة هنا بيت المقدس. والمعنى لم نجعلها حين أمرناك بها أولا إلا فتنة لنعلم من يتبعك من العرب الذين إنما يألفون مسجد مكة ، أو من اليهود على ما قال الضحاك من أن الأحبار قالوا للنبي صلىاللهعليهوسلم : إن بيت المقدس هو قبلة الأنبياء ، فإن صليت إليه اتبعناك ، فأمره الله بالصلاة إليه امتحانا لهم فلم يؤمنوا ، وقال