إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) (١٤٣)
أعلم الله تعالى في هذه الآية أنهم سيقولون في شأن تحول المؤمنين من الشام إلى الكعبة : (ما وَلَّاهُمْ)؟ و (السُّفَهاءُ) هم الخفاف الأحكام والعقول ، والسفه الخفة والهلهلة ، ثوب سفيه أي غير متقن النسج ، ومنه قول ذي الرمة : [الطويل]
مشين كما اهتزت رماح تسفهت |
|
أعاليها مرّ الرياح النواسم |
أي استخفتها ، وخص بقوله (مِنَ النَّاسِ) ، لأن السفه يكون في جمادات وحيوانات ، والمراد ب (السُّفَهاءُ) هنا جميع من قال (ما وَلَّاهُمْ) ، وقالها فرق.
واختلف في تعيينهم ، فقال ابن عباس : «قالها الأحبار منهم» ، وذلك أنهم جاؤوا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقالوا : يا محمد ما ولاك عن قبلتنا؟ ارجع إليها ونؤمن بك ، يريدون فتنته ، وقال السدي : قالها بعض اليهود والمنافقون استهزاء ، وذلك أنهم قالوا : اشتاق الرجل إلى وطنه ، وقالت طائفة : قالها كفار قريش ، لأنهم قالوا : ما ولاه عن قبلته؟ ما رجع إلينا إلا لعلمه أنّا على الحق وسيرجع إلى ديننا كله ، و (وَلَّاهُمْ) معناه صرفهم ، والقبلة فعلة هيئة المقابل للشيء ، فهي كالقعدة والإزرة ، وجعل المستقبل موضع الماضي في قوله (سَيَقُولُ) دلالة على استدامة ذلك ، وأنهم يستمرون على ذلك القول ، ونص ابن عباس وغيره أن الآية نزلت بعد قولهم.
وقوله تعالى : (قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ) إقامة حجة ، أي له ملك المشارق والمغارب وما بينهما ، ويهدي من يشاء ، إشارة إلى هداية الله تعالى هذه الأمة إلى قبلة إبراهيم ، والصراط : الطريق.
واختلف العلماء هل كانت صلاة رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بيت المقدس بأمر من الله تعالى في القرآن أو بوحي غير متلو؟ ، فذكر ابن فورك عن ابن عباس قال : أول ما نسخ من القرآن القبلة ، وقال الجمهور : بل كان أمر قبلة بيت المقدس بوحي غير متلو ، وقال الربيع : خيّر رسول الله صلىاللهعليهوسلم في النواحي فاختار بيت المقدس ، ليستألف بها أهل الكتاب ، ومن قال كان بوحي غير متلو قال : كان ذلك ليختبر الله تعالى من آمن من العرب ، لأنهم كانوا يألفون الكعبة وينافرون بيت المقدس وغيره.
واختلف كم صلى إلى بيت المقدس ، ففي البخاري : ستة عشر أو سبعة عشر شهرا ، وروي عن أنس بن مالك : تسعة أو عشرة أشهر ، وروي عن غيره : ثلاثة عشر شهرا ، وحكى مكي عن إبراهيم بن إسحاق أنه قال : أول أمر الصلاة أنها فرضت بمكة ركعتين في أول النهار وركعتين في آخره ، ثم كان الإسراء ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الآخر ، قبل الهجرة بسنة ، ففرضت الخمس ، وأمّ فيها جبريل عليهالسلام ، وكانت أول صلاة الظهر ، وتوجه بالنبي صلى الله عليهما وسلم إلى بيت المقدس ، ثم هاجر النبي صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة في ربيع الأول ، وتمادى إلى بيت المقدس إلى رجب من سنة اثنتين ، وقيل إلى جمادى ، وقيل إلى نصف شعبان.
وقوله تعالى : (وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) ، الكاف متعلقة بالمعنى الذي في قوله (يَهْدِي مَنْ