الجبل خوفا ، فلما رحمهمالله قالوا لا سجدة أفضل من سجدة تقبلها الله ورحم بها ، فأمروا سجودهم على شق واحد.
قال القاضي أبو محمد عبد الحق رحمهالله : والذي لا يصح سواه أن الله تعالى اخترع وقت سجودهم الإيمان في قلوبهم ، لأنهم آمنوا كرها وقلوبهم غير مطمئنة ، وقد اختصرت ما سرد في قصص هذه الآية ، وقصدت أصحه الذي تقتضيه ألفاظ الآية ، وخلط بعض الناس صعقة هذه القصة بصعقة السبعين.
وقوله تعالى : (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ) في الكلام حذف تقديره : وقلنا خذوا ، و (آتَيْناكُمْ) معناه أعطيناكم ، و (بِقُوَّةٍ) : قال ابن عباس : معناه بجد واجتهاد ، وقيل : بكثرة درس ، وقال ابن زيد : معناه بتصديق وتحقيق ، وقال الربيع. معناه بطاعة الله.
(وَاذْكُرُوا ما فِيهِ) أي تدبروه واحفظوا أوامره ووعيده ، ولا تنسوه وتضيعوه ، والضمير عائد على (ما آتَيْناكُمْ) ويعني التوراة ، وتقدير صلة (ما) : واذكروا ما استقر فيه ، و (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ترج في حق البشر.
وقوله تعالى : (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) الآية. تولّى تفعّل ، وأصله الإعراض والإدبار عن الشيء بالجسم ، ثم استعمل في الإعراض عن الأمور والأديان والمعتقدات اتساعا ومجازا ، و (فَضْلُ اللهِ) رفع بالابتداء ، والخبر مضمر عند سيبويه لا يجوز إظهاره للاستغناء عنه ، تقديره فلو لا فضل الله عليكم تدارككم ، (وَرَحْمَتُهُ) عطف على فضل ، قال قتادة : فضل الله الإسلام ، ورحمته القرآن. قال القاضي أبو محمد رحمهالله : وهذا على أن المخاطب بقوله : (عَلَيْكُمْ) لفظا ومعنى من كان في مدة محمدصلىاللهعليهوسلم ، والجمهور على أن المراد بالمعنى من سلف ، و (لَكُنْتُمْ) جواب «لو لا» ، و (مِنَ الْخاسِرِينَ) خبر «كان». والخسران النقصان ، وتوليهم من بعد ذلك : إما بالمعاصي ، فكان فضل الله بالتوبة والإمهال إليها ، وإما أن يكون توليهم بالكفر فكان فضل الله بأن لم يعاجلهم بالإهلاك ليكون من ذريتهم من يؤمن ، أو يكون المراد من لحق محمدا صلىاللهعليهوسلم ، وقد قال ذلك قوم ، وعليه يتجه قول قتادة : إن الفضل الإسلام ، والرحمة القرآن ، ويتجه أيضا أن يراد بالفضل والرحمة إدراكهم مدة محمد صلىاللهعليهوسلم.
قوله عزوجل :
(وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٦٧)
(عَلِمْتُمُ) معناه : عرفتم ، كما تقول : علمت زيدا بمعنى عرفته ، فلا يتعدى العلم إلا إلى مفعول واحد ، و (اعْتَدَوْا) معناه تجاوزوا الحد ، مصرف من الاعتداء ، و (فِي السَّبْتِ) معناه في يوم السبت ، ويحتمل أن يريد في حكم السبت ، و (السَّبْتِ) مأخوذ إما : من السبوت الذي هو الراحة والدعة ، وإما من