والإنسان بهذه القدرة يستطيع أن يصل إلى درجة ما فى هذا العلم ، والتفاضل فى باب القدرة إنما يكون فى الزيادة والنقصان ، واختلاف الزيادة من قادر إلى أقدر صعودا ، يجعلها تقف عند حد لا تتعداه ويرجع هذا إلى العلم وإلى الوسائل المعينة لهذا العلم ، من دربة وممارسة ومعاناة ، فإذا جاء النبى وحظى بدرجة فى القدرة تزيد عن هذا الحد بمرتبة ، أو بمراتب ، صح أن تكون دلالة على نبوته ، أريد أن أقول أن للممكن نهاية. وتكون القضية المترتبة على ذلك هى «كيف نتوصل لنهاية هذا الممكن؟».
ويجيب القاضى ، بأن العلم ، بأنه «أى الممكن» قد بلغ النهاية يحتاج إلى تأمل واختيار حتى نعرف كيفية وقوع ذلك الكلام المتضمن لذلك المعنى ، ووجوه وقوعه ، وأنه لا منزلة له أعلى من هذه المنزلة ، فيعلم أنه قد بلغ النهاية (١).
ولكن المتفق عليه عند المعتزلة أن اللغة توقيفية أى بالمواضعة (٢) وإلى زمن نزول القرآن كان هو النهاية فى الفصاحة ، ولذا عجزت العرب عن تقليده ، فما ذا يحدث لو اخترعت ألفاظ أكثر فصاحة من ألفاظ القرآن؟ إذن تختل قضية الإعجاز.
ويرى القاضى ـ أن هذا لا يقدح فيما ذكره ، وأن الظن أن المزية إنما تكون بأصل المواضعة ، ليس كذلك ، لأن ما يبلغ من الكلام فى الفصاحة النهاية لا يخرج عن أن يكون فى جملة اللغة ، كما أن ما دونه لا يخرج عن أن يكون من جملتها ، وإنما تتبين زيادة الفصاحة لا بتغير المواضعة .. وإنما المعتبر بمواقع الكلام وكيفية إيراده (٣). ومن ثم يتساوى شأن اللغة عند القاضى أن تكون توقيفية أو توفيقية (٤).
وأما عن الكلام الفصيح وكيف يكون ، فيقدم لنا القاضى ، رأيا لأستاذه أبى هاشم ـ ذلك الذى عرضناه من قبل (٥) ثم يردفه برأيه الخاص وهو مبنى على
__________________
(١) القاضى عبد الجبار ـ إعجاز القرآن ـ ١٩٤.
(٢) انظر القاضى عبد الجبار ـ تنزيه القرآن ـ ٣٢٥ ـ وفى مسألة آية (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ).
(٣) القاضى عبد الجبار ـ إعجاز القرآن ـ ٢٠١.
(٤) القاضى عبد الجبار ـ إعجاز القرآن ـ ٢٠١.
(٥) انظر رأى أبى هاشم فى الفصاحة ص ٧٣ من الكتاب.