تكملة رأى أبى هاشم أو بمعنى أدق تنقيحه «يقول : اعلم أن الفصاحة لا تظهر فى أفراد الكلام ، وإنما تظهر فى الكلام بالضمّ على طريقة مخصوصة ، ولا بدّ مع الضم من أن يكون لكل كلمة صفة ، وقد يجوز فى هذه الصفة أن تكون بالمواضعة التى تتناول الضم ، وقد تكون بالأعراب الذى له مدخل فيه ، وقد تكون بالموقع ، وليس لهذه الأقسام رابع ، لأنه إما أن تعتبر فيه الكلمة أو حركاتها أو موقعها ، ولا بدّ من هذا الاعتبار فى كل كلمة ، ثم لا بدّ من اعتبار مثله فى الكلمات إذا انضم بعضها إلى بعض لأنه قد يكون لها عند الانضمام صفة ، وكذلك لكيفية إعرابها ، وحركاتها ، وموقعها ، فعلى هذا الوجه الذى ذكرناه ، إنما تظهر مزية الفصاحة بهذه الوجوه دون ما عداها فإن قال (١). فقد قلتم فى أن جملة ما يدخل فى الفصاحة حسن المعنى ، فهل اعتبرتموه؟ قيل له : إن المعانى وإن كان لا بد منها فلا يظهر فيها المزية ، فلذلك نجد المعبّرين عن المعنى الواحد يكون أحدهما أفصح من الآخر ، والمعنى متفق ... ، على أنا نعلم أن المعانى لا يقع فيها تزايد ، فإذن يجب أن يكون الذى يعتبر عنده الألفاظ التى يعبر بها عنها ، فإذا صحت هذه الجملة فالذى تظهر به المزية ليس إلا الإبدال (٢) الذى تختص الموقع أو الحركات التى تختص الإعراب ، فبذلك تقع المباينة» (٣).
إذن. فقد أحس القاضى عبد الجبار أن رأى أستاذه أبى هاشم فى أن الكلام إنما يكون فصيحا لجزالة لفظه وحسن معناه (٤) ، أحس أن به نقصا لأنه لم يلاحظ صورة تركيب الكلام وهى أساسية فى بلاغة العبارة وفصاحتها (٥).
ويقول القاضى ـ عن سبب تقدم ناظم عن ناظم ، وقد علمنا أن مع حضور الكلام قد يختلف الاختيار ، فى المتخيّر ، بحسب التجربة والعادة ، فلا بد مع العلم بالكلمات من أن تتقدم للمتكلم هذه الطريقة ، فى نفسه وفى غيره ،
__________________
(١) أى المعارض.
(٢) يقصد الاختيار. انظر الدكتور شوقى ضيف ـ البلاغة تطور وتاريخ ص ١١٧.
(٣) القاضى عبد الجبار ـ إعجاز القرآن ـ ١٩٩ و ٢٠٠.
(٤) نفس المصدر السابق ـ ٢٩٧.
(٥) الدكتور شوقى ضيف ـ البلاغة تطور وتاريخ ـ ١١٦.