حديث الاستسقاء ،
وكلام الذئب وحديث الذراع المسموم وانشقاق القمر ، كلّ هذه مع القرآن الكريم حجج
للرسول صلىاللهعليهوسلم ، فما ذا قال فيها القاضى؟
رأيناه قد فصل بين
المعجزات التى ترتبط بالمشاهدة والمعاينة والحضور وبين القرآن الكريم ، واعتبر
القرآن وحده إعجازا يدل على نبوة ، وما عداه من معجزات يعلم بأمرها بعد العلم
بالنبوة لأن ثبوت ذلك فرع على ثبوت النبوة ، فكيف يصح أن يستدل به على نبوة؟ وقد
ذكر عن المعتزلة أنهم جعلوا هذه المعجزات مؤكدة وزائدة فى شرح الصدور فيمن يعرفها
من جهة الاستدلال ، فأما من يشاهد ذلك فحاله بها كحاله مع القرآن فى أنه يمكنه
الاستدلال بها كما يمكنه ذلك فى القرآن لأنه ثبوتها بالمشاهدة أخرجها من أن يكون
علم المشاهد بها كالفرع على النبوة ، فصح أن يستدلّ بها على نبوة .
وطالما أننا لم
نشاهد تلك المعجزات ، فطريقنا الوحيد لإثبات صحة نبوة النبى هو القرآن. لأن علم
المخالف به كعلم الموافق من حيث ظهر نقله على وجه الصحة.
ولكن القرآن نفسه
قد تعرض لنقد طائفة من الإمامية ، ادعت أن فيه تغييرا وتبديلا وأثبتوا فيه نقصانا
وزعموا أن فى الأمة من غيّره وبدّله وحذف منه الزيادات الدالة ـ بزعمهم ـ على الأئمة
وأحوالهم ، بينما كثير من الحشويّة وأهل الحديث يزعم أن القرآن متلقّى فى أخبار
الآحاد ، وأنّ عثمان بن عفان جمعه بعد أن كان متفرقا فى الصدور والقلوب ... الخ
فلزم القاضى عبد الجبار أن يفند هذه الادعاءات قبل أن يتفرغ لمناقشة الإعجاز وهذا
ما فعل ، فذكر فى كتابه فصلا بعنوان «فى بيان طريقة معرفة القرآن» وفيه جادل هؤلاء
القوم ودعاواهم جدالا مسهبا ، ليوضح خطأهم وسوء نواياهم ، وليصل أيضا لإظهار حقيقة
وهى : أن التغيير لم يقع فى ألفاظ القرآن ، وإلى أنه لم يدوّن فى أيام الرسول صلىاللهعليهوسلم ، لأنه خاف أن يتكل الناس على ذلك الجمع وتضعف لأجله
الرغبات فى الحفظ ـ فأحب الرسول عليه الصلاة والسلام ، أن يتناول القرآن حفظا ،
ولذا قيل أنهم كانوا يحفظونه ويفقهون معانيه ، وحتى كان الواحد إذا حفظ بعض القرآن
يعدّ من
__________________