الجبائية تلك التى فتقت الكلام فى نظرية النظم متبلورة على يد القاضى ، قد أعطت النغم الذى يضرب عليه الجرجانى ، ويبنى نظريته فى النظم.
والزمخشرى قد تناول التّركة من الجرجانى وطبقها على القرآن بعقل واع ونفس متفتحة.
إذن فالتأثير والتأثر متصل بين المدرستين ولكنه من المعتزلة ابتدأ وإلى الأشاعرة وصل ، ثم إلى المعتزلة عاد على يد الزمخشرى.
ولكن بالرغم من هذه الجهود الجبارة التى أنفق فيها المتكلمون حياتهم مع غيرهم من اللغويين والأدباء والمتفلسفة الذين شغلوا بالقرآن واعجازه فإنهم فاتهم أن ينظروا إلى إعجاز القرآن بنظرة شاملة مستوعبة. فهذا الزمخشرى ، وهو خلاصة الفكر البلاغى فى مدرسة المتكلمين ـ يقول عنه الدكتور الجوينى ـ «أما مبحثه فى الإعجاز القرآنى فقد كان يساير ما اتسم به البحث البلاغى على مدى العصور ، وهو النظرة الجزئية إلى العبارة أو العبارتين فى النص أدبى ، لا تعدوه إلى العمل الأدبى كله ، حقا ، قد ظفر الزمخشرى بنتائج ذات بال من وقفاته الجمالية القصيرة ، ولكن ما كان يفيده من تحليل للنص القرآنى كاملا كان يصل به إلى نتائج أكثر قيمة ، ولهذا فلن تتوقع مثلا أن يفرد بابا للتشبيه فى القرآن ، ولأمثال القرآنى ، وللقسم فيه أو للاستعارة القرآنية أو لأدب الجدل ، أو لغير ذلك من مباحث ترتاد الميادين الأدبية أو النفسية فى القرآن. ومع ذلك كله ، فما نجده عند الزمخشرى من مباحث جميلة ، هى غاية ما وصل إليه الدرس البيانى فى عصره ، محدودا بما كان له من طاقات وما أوتيه من أسباب (١).
ونخلص من هذا بأن الشغف بالجزئيات لم يتح للباحثين القدامى فرصة «لإدراك الخصائص العامة المشتركة ، التى يصدر عنها كتاب الله فى تصويره وتعبيره فيهز النفوس ويحرك المشاعر ويفيض الدموع» (٢).
وأصبح لا بد لدراسة التعبير فى هذا كتاب المعجز من منهج جديد للدراسة ومن مبحث عن الأصول العامة للجمال الفنى فيه ، ومن بيان للسمات المطردة
__________________
(١) الدكتور مصطفى الجوينى ـ منهج الزمخشرى ـ ٣٠٠.
(٢) الدكتور صبحى الصالح ـ مباحث فى علوم القرآن ـ ٢٥٥.