وكتاب (المفتاح) هو غرة مصنفاته ، وقد قسمه إلى ثلاثة أقسام أساسية تحدّث فى القسم الأول منها عن علم الصرف ، وما يتصل به من الاشتقاق الصغير والكبير والأكبر ، وجعل القسم الثانى لعلم النحو ، وأما القسم الثالث فخص به علم المعانى والبيان ، وألحق بهما نظرة فى الفصاحة والبلاغة ودراسة للمحسنات البديعية اللفظية والمعنوية ، ووجد أن علم المعانى يحتاج من ينظر فيه إلى الوقوف على الحد والاستدلال أو بعبارة أخرى إلى الوقوف على علم المنطق ، ففتح له مبحثا أحاط فيه بمسائل ، ووجد أيضا أن من يتدرب على علمى المعانى والبيان يحتاج إلى الوقوف على علمى العروض والقوافى فأفرد لهما المبحث الأخير من الكتاب ، وبذلك اشتمل (المفتاح) على علوم الصرف والنحو والمعانى والبيان والمنطق والعروض والقوافى ، ونراه يصدر فى تقديمه له ، طريقته فى تصنيفه ، قائلا : «وما ضمنت جميع ذلك كتابى هذا إلا بعد ما ميزت البعض عن البعض التمييز المناسب ، ولخّصت الكلام على حسب مقتضى المقام هناك ، ومهدت لكل من ذلك أصولا لائقة ، وأوردت حججا مناسبة ، وقررت ما صادفت من آراء السلف ـ قدس الله أرواحهم ـ بقدر ما احتملت من التقرير ، مع الإرشاد إلى ضروب مباحث قلّت عناية السلف بها وإيراد لطائف مفتنّة ما فتق أحد بها رتق أذن» (١).
وشهرته إنما دوت بالقسم الثالث من الكتاب ـ الخاص بعلمى المعانى والبيان ولواحقهما من الفصاحة والبلاغة والمحسنات البديعية اللفظية والمعنوية ، فقد أعطى لهذا كله الصيغة النهائية التى عكف العلماء من بعده ، يتدارسونها ويشرحونها مرارا ، إذ استطاع أن ينفذ من خلال الكتابات البلاغية قبله إلى عمل ملخص دقيق لما نثره أصحابها من آراء ، وما استطاع أن يضيفه إليها من أفكار وصاغ ذلك كله ، صيغة مضبوطة محكمة استعان فيها بقدرته المنطقية فى التعليل والتسبيب وفى التجريد والتحديد والتعريف والتقسيم والتفريغ والتشعيب ، وكان عمدته فى النهوض بذلك تلخيص الفخر الرازى وكتابى عبد القاهر «دلائل الإعجاز» و «أسرار البلاغة» ثم الكشاف للزمخشرى فانه استوعبه استيعابا دقيقا.
__________________
(١) السكاكى ـ المفتاح ـ ص ٣.