وهذه الفكرة هى إحدى المعانى التى اعتبرها الباقلانى فى جملة وجوه إعجاز القرآن ، وهى المعنى التاسع ، الذى يقول فيه (إن الحروف التى بنى عليها كلام العرب تسعة وعشرين حرفا وعدد السور التى أفتتح فيها بذكر الحروف ثمان وعشرون سورة ، وجملة ما ذكر من هذه الحروف فى أوائل السور من حروف المعجم نصف الجملة ، وهو أربعة عشر حرفا ، ليدل بالمذكور على غيره وليعرفوا أنّ هذا الكلام منتظم من الحروف التى ينظمون بها كلامهم والذى تنقسم إليه هذه الحروف على ما قسمه أهل العربية وبنوا عليها وجوهها ـ أقسام نحن ذاكروها ـ فمن ذلك أنهم قسموها إلى حروف مهموسة وأخرى مجهورة فالمهموسة منها عشرة (١).
وليس التقسيم من مبتكرات الباقلانى. وقد تكون الفكرة نفسها فى الإعجاز ليست من مبتكراته أيضا ـ ولكنه مجرد التقاء.
الزمخشرى والرمانى :
يقول الدكتور الجوينى : يظهر أن عادة الأقدمين فى التأليف ، كانت النقل عمن يعجبون به دون أسناده لصاحبه إمّا لشهرة القول عنه ، وإما لأن العلم ملك الجميع يؤخذ منه ما يؤخذ ويترك ما يترك ما دامت الشخصية الناقلة تسيطر على ما تنقل بعلمها ومعرفتها ، ولا تكتفى بتقليد أو نقل فحسب ، ولعل ابن تغرى بردى قد أنصف حين قال : «إن الزمخشرى سلك مسلك الرمانى ونهج نهجه فى التفسير» والحق أن الزمخشرى أفاد من تفسير الرمانى كما أفاد من تفسير الزجاج (٢).
ويعرض الدكتور عبد العال مكرم ، قضية الكشاف وجزء عم. ويحققها ثم ينتهى إلى أن الزمخشرى لم يستفد فقط بل نقل منه نصوصا بأسرها ، وكان واجب الأمانة العلمية يقتضى بأن يشير إلى ذلك فى كتابه (٣).
__________________
(١) الباقلانى ـ إعجاز القرآن ـ ٤٤ و ٤٥.
(٢) الدكتور الجوينى ـ منهج الزمخشرى ـ ٨٧. وتفسير الرمانى المشار إليه كان باسم (التفسير الكبير للرمانى) ولم يبق منه إلا جزء عم من مقتنيات المكتبة التيمورية بدار الكتب تحت رقم (٢٠١) تفسير. وقد ذكر الدكتور الجوينى أن الزمخشرى قد أفاد من غير الرمانى والزجاج ، وانظر فى ذلك ـ منهج الزمخشرى ـ له ـ ص ٨٠ إلى ٨٩.
(٣) الدكتور عبد العال سام مكرم ـ القرآن الكريم وأثره فى الدراسات النحوية ـ ٢٢٥.