وهذه صور الاستعارة المكنية وقد صورها الزمخشرى فى آية مريم (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) [مريم ـ ٤] على هذا النحو : شبه الشيب بشواظ النار فى بياضه وانتشاره فى الشّعر وفشوّه فيه وأخذه منه كل مأخذ ، باشتعال النار ، ثم أخرجه مخرج الاستعارة ، ثم أسند الاشتعال إلى مكان الشعر وهو الرأس وأخرج الشيب مميزا ... فصحّت هذه الجملة وشهد لها بالبلاغة (١).
واعتقد بعد هذه الإشارات الموجزة ، أنه يحق لنا القول ، بأن الزمخشرى قد وضع كتابى الجرجانى غير بعيد منه وهو يكتب كتابه الكشاف. ولكن كانت له شخصيته الاعتزالية الأدبية الواضحة وإضافاته التى انفرد بها.
الزمخشرى والباقلانى :
وقد التقى الزمخشرى مع الباقلانى ، وذلك فى الحديث عن فواتح السور ، فقد ذكر الزمخشرى فى حديثه عن آيتى (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة ، ١ ـ ٢] أنك إذا تأملت ما أورده الله عز سلطانه فى الفواتح من هذه الأسماء وجدتها نصف أسامى حروف المعجم أربعة عشر سواء هى الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون فى تسع وعشرين سورة على عدد حروف المعجم ثم إذا نظرت فى هذه الأربعة عشر وجدتها مشتملة على أنصاف أجناس الحروف ، بيان ذلك أن فيها من المهموسة نصفها : الصاد والكاف والهاء والسين والحاء ومن المجهورة نصفها : الألف واللام والميم والراء والعين والظاء والقاف والهاء والنون ، ومن الشديدة نصفها : الألف والكاف والطاء والقاف ، ومن الرخوة نصفها : اللام والميم والراء والصاد والهاء والعين والسين والحاء والياء والنون ومن المطبقة نصفها : الصاد والطاء ، ومن المنفتحة نصفها : الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والسين والحاء والقاف والياء والنون ، ومن المستعلية نصفها : القاف والصاد والطاء ، ومن المنخفضة نصفها : الألف واللام والميم والراء والكاف والهاء والياء والعين والسين والحاء والنون ومن حروف القلقلة نصفها : القاف والطاء ، ثم إذا استقريت الكلمة وتراكيبها رأيت الحروف التى ألغى الله ذكرها من هذه الأجناس المعدودة : ... الخ (٢).
__________________
(١) نفس المصدر ـ ٢ / ٢٢٠ ط ٢ بولاق.
(٢) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ١١ ط ٢ بولاق.