ومكنية ، وأنها تجرى فى الأسماء والأفعال ، واجراؤها فى الأخيرة ، إنما يكون فى المصادر ، يقول تعليقا على آية الزمر (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) [الزمر ـ ٦٩] قد استعار الله عزوجل النور للحق والقرآن والبرهان فى مواضع من التنزيل ، وهذا من ذاك ، والمعنى : (وأشرقت الأرض) بما يقيمه فيها من الحق والعدل (١). وهى استعارة تصريحية أصلية ، ويقول فى آية البقرة (أُولئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدى) [البقرة ـ ١٦] ومعنى اشتراء الضلالة بالهدى اختيارها عليه ، واستبدالها به ، على سبيل الاستعارة ، لأن الاشتراء فيه إعطاء بدل وأخذ آخر (٢) وهى استعارة تبعية فى الفعل ، ونراه يصرّح ـ على هدى من عبد القاهر ـ بأن الاستعارة فى الفعل لا تجرى فيه ، وإنما تجرى فى المصدر ، يقول تعليقا على آية الكهف (فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) [الكهف ـ ٧٧] ، استعيرت الارادة للمداناة والمشارفة (٣) ، وواضح أنه يجعل الاستعارة فى المصادر ، ونراه يوجه الاستعارة المكنية فى الآيات ، يقول تعليقا على آية البقرة : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) [البقرة ـ ٢٧] النقض : الفسخ ، وأبطال التركيب. فإن قلت من أين ساغ استعمال النقض فى أبطال العهد؟ قلت : من حيث تسميتهم العهد بالحبل على سبيل الاستعارة لما فيه من ثبات الوصلة بين المتعاهدين .. وهذا من أسرار البلاغة ولطائفها أن يسكتوا عن ذكر الشيء المستعار ثم يرمزوا إليه بذكر شىء من روادفه فينبهوا بتلك الرمزة على مكانه ، ونحو قولك شجاع يفترس أقرانه ، وعالم يغترف منه الناس ... لم تقل هذا إلا وقد نبهت على الشجاع والعالم بأنهما أسد وبحر (٤).
ويقول تعليقا على آية الإسراء (وَاخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) [الإسراء ـ ٢٤] جعل لذلك بهما جناحا خفيضا كما جعل «لبيد» للشمال (الريح) يدا ، وللقرّة (البرد) زماما مبالغة فى التذلل والخضوع (٥).
__________________
(١) نفس المصدر ـ ٢ / ٣٣٤ ط ٢ بولاق.
(٢) نفس المصدر ـ ١ / ١٤٦ ط ٢ بولاق.
(٣) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ٢ / ٢١٥ ط ٢ بولاق.
(٤) نفس المصدر ـ ١ / ٢٠٧ ط ٢ بولاق.
(٥) نفس المصدر ـ ٢ / ١٨٥ ط ٢ بولاق.