النفى تعم ، من ذلك قوله «إن الريب فى آية (لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة ـ ٢] نفى على سبيل الاستغراق ، إذ عمّ النفى جميع أفراد الريب (١).
ووقف عبد القاهر عند حذف المسند مع القرينة فى مثل آية الأنعام (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ) [الأنعام ـ ١٠٠] فقد قدر أن الجملة انتهت عند شركاء ، وأن كلمة الجن كأنها إجابة لسائل سأل : ما ذا جعلوا شركاء الله؟ (٢) وجوز الزمخشرى أن تكون كلمة (الجن) مرفوعة ، كأنه قيل : من هم؟ فقيل الجن (٣).
ووقف عبد القاهر أيضا عند آية البقرة (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ) [البقرة ـ ٩٦] ولاحظ أن التنكير فى كلمة (حياة) للدلالة على الازدياد منها لا على أصلها (٤) ويقول الزمخشرى : نكّر كلمة حياة لأنه أراد حياة مخصوصة وهى الحياة المتطاولة ، ولذلك كانت القراءة بها أوقع من قراءة أبىّ على (الحياة) (٥).
ويطيل عبد القاهر النظر فى أساليب الأسناد الخبرى وتأكيدها بإنّ ، فهو يأتى مجردا منها لخالى الذهن ، والشاك والمتردد ، ومقترنا بها لمن عقد قلبه على النفى وقد يضاف إليها تأكيد ثان للمنكر مبالغة فى الجزم بالخبر (٦). ويقول الزمخشرى تعليقا على آيات يس (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ ، إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما ، فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ ، فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ ، قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ ، قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) [يس من ١٣ ـ ١٦] فان قلت : لم قيل (إنا اليكم مرسلون) أوّلا و (إنا اليكم لمرسلون) آخرا؟ قلت : لأن الأول ابتداء إخبار والثانى جواب عن إنكار (٧) أى أن التعبير الأول لم يأت لخالى الذهن ، وإنما جاء
__________________
(١) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ٨٦ ط ٢ بولاق.
(٢) الجرجانى ـ الدلائل ـ ١٨٩.
(٣) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ٤٦٤ ط ٢ بولاق.
(٤) الجرجانى ـ الدلائل ـ ١٩٠.
(٥) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ٢٢٥ ط ٢ بولاق.
(٦) الجرجانى ـ الدلائل ـ ١٨٠.
(٧) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ٢ / ٤٦٧ ط ٢ بولاق.