ويميز عبد القاهر بين صور الخبر ملاحظا أنه إذا كان اسما دل على الثبوت وإذا كان فعلا دل على التجدد (١).
وترى الزمخشرى فى آية البقرة (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) [البقرة ـ ١٥] يقول لم يقل الله مستهزئ بهم ليكون مطابقا لقوله (إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) لأن يستهزئ يفيد حدوث الاستهزاء وتجدده وقتا بعد وقت (٢).
ويسهب عبد القاهر فى بيان الفروق بين صور الخبر المنكّر والمعرّف وتحوله إلى مسند إليه على نحو ما تصور ذلك الجمل الآتية (زيد منطلق) و (زيد المنطلق) و (المنطلق زيد) وقد ذهب إلى أن العبارة الأولى تقال لخالى الذهن عن أى انطلاق ، بينما الثانية تقال لمن عرف أن انطلاقا حدث من إنسان ولم يعرف اتصاف زيد بذلك ، فأنت تعرّفه به على وجه الاختصاص ، واللام فى «المنطلق» للعهد ، وقال عبد القاهر : قد يؤكدون هذا التخصيص بضمير الفصل ، فيقولون (زيد هو المنطلق) ، وهو قصر قد يكون تحقيقا ، وقد يكون على وجه المبالغة مثل (زيد هو الجواد) أى الكامل فى الجود ، وواضح أن (أل) فى كلمة (المنطلق) فى هذا التعبير الثانى للجنس ، وقد يراد بها أفراده ، وقد يراد بها حقيقة الجنس ، كمن يقول (زيد هو البطل) ، يقصد أنه هو وحده الذى يمثل البطولة ، وقد يخصّص الجنس كقولك (هو الصديق حين لا يوجد صديق) ويقرن عبد القاهر بين القصر الملاحظ فيه حقيقة الجنس وبين اسم الموصول اذا وقع خبرا فى مثل (أخوك الذى يؤازرك فى الملمات) ويقول : إن (المنطلق زيد) أقوى فى القصر من (زيد المنطلق) ، لأن كلمة (المنطلق) حين تقدّم تصبح اللام فيها لاستغراق الجنس ، وبذلك يكون القصر أشد وأوثق ، ويعرض للمسند إليه إذا كان اسم موصول ، ويقول : إنه يستخدم حين لا يكون معروفا من أحواله سوى الصلة (٣).
وكل هذه القواعد نجدها مبسوطة فى تفسير الزمخشرى لآية البقرة (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة ـ ٥] يقول : «هم» فصل ، وفائدته الدلالة على أن
__________________
(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ ١١٧ الى ١٣٢.
(٢) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ١٤٤ ط ٢ بولاق.
(٣) الجرجانى ـ الدلائل ـ ١١٧ وما بعدها.