ويتكلم عبد القاهر فى حذف المسند اليه ، ويقول : أنه يحذف عند تعيينه وقيام القرينة ، وحينئذ يكون حذفه أبلغ من ذكره ، ويطنب فى الحديث عن حذف المفعول به وأنه قد يحذف إذا أراد المتكلم أصل الفعل بدون أى تخصيص له ممن وقع عليه ، ويقول «المتكلم قد يريد المفعول ، ولكنه لا يذكره لدلالة الحال عليه ، وقد يكون غرضه حينئذ من حذفه البيان بعد الإبهام نحو ما يلاحظ فى فعل المشيئة مثل (لو شئت لأتيت) أصله لو شئت الاتيان لأتيت ، ويستثنى من هذا الفعل وعبارته أن يكون متعلقة خاصا مثل (لو شئت أبكى دما لبكيت فإن المفعول حينئذ لا يصح حذفه ، لأنه ليس فى الكلام ما يدل عليه ، ويقول ، أنّ المفعول قد يحذف لدفع توهم السامع أو للاختصار (١).
وترى الزمخشرى يصدر عن هذه الآراء فى تعليقه على آية القصص (ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمّة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقى حتى يصدر الرّعاء وأبونا شيخ كبير) يقول : فإن قلت : لم ترك المفعول غير مذكور فى قوله (يسقون) ـ و (تذودان) ـ و (لا نسقى) قلت : لأن الغرض هو الفعل لا المفعول ، ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الزياد ، وهم على السقى ولم يرحمهما لأن مزودهما غنم ومستقيهم أبل مثلا. وكذلك قولهما (لا نسقى حتى يصدر الرعاء) المقصود فيه السقى لا المسقى (٢).
وفى آية البقرة (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصارِهِمْ) [البقرة ـ ٢٠] يقول الزمخشرى : «مفعول «شاء» محذوف لأن الجواب يدل عليه ، والمعنى ولو شاء الله أن يذهب بسمعهم وأبصارهم لذهب بها ، ولقد تكاثر هذا الحذف فى شاء وأراد ، لا يكادون يبرزون المفعول إلا فى الشيء المستغرب كنحو قولك ، فلو شئت أن أبكى دما لبكيت ، وقوله تعالى (لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا) [الأنبياء ـ ١٧] و (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً) (٣) (الزمر ـ ٤).
__________________
(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ ١١٣.
(٢) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ٢ / ٣٧٦ ط ٢ بولاق.
(٣) نفس المصدر ـ ١ / ١٧٠ ط ٢ بولاق.