فكان أولى بالتقديم ونحو (أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ) [الزمر ـ ٦٤] و (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ) (١) [يونس ـ ٥٩].
وقد مضى عبد القاهر يذكر أن المسند إليه إذا ولى النفى فى مثل : ما أنا فعلت ذلك ، أفاد تخصيصه بنفى الخبر الفعلى ، وبذلك يكون فعل قد فعل ، ونفى البتة عن المتكلم (٢).
وعلى ضوء هذه القاعدة قال الزمخشرى فى التعليق على آية التنزيل الواردة على لسان قوم شعيب (وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) [هود ـ ٩١] : قد دل إيلاء ضميره حرف النفى ، على أن الكلام واقع فى الفاعل لا فى الفعل ، كأنه قيل : وما أنت علينا بعزيز بل رهطك هم الأعز علينا ، ولذلك قال فى جوابهم (أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) [هود ـ ٩٢] ولو قيل ما عززت علينا لم يصح هذا الجواب (٣).
ومضى عبد القاهر يذكر أنه إذا لم يكن فى العبارة نفى ولا استفهام وتقدم المسند إليه وكان معرفة مثل (أنا فعلت) فان التقديم حينئذ أما يفيد تخصيص المسند إليه بالمسند ، وأما يفيد تقوية الحكم وتأكيده فى ذهن السامع (٤).
ونرى الزمخشرى يقف بإزاء بعض الآيات التى قدم فيها المسند الأول على أن الغرض من التقديم هو التخصيص ، يقول فى تفسير الآية (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) [الرعد ـ ٢٦] أى الله وحده يبسط الرزق ويقدره دون غيره (٥) ويقول فى تفسيره الآية (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً ، مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ) [الزمر ـ ٢٣] إيقاع اسم الله مبتدأ ، وبناء نزّل عليه فيه تفخيم لأحسن الحديث ، ورفع منه واستشهاد على حسنه وتأكيد لاستناده إلى الله وأنه من عنده وأن مثله لا يجوز أن يصدر إلا عنه وتنبيه على أنه وحى معجز مباين لسائر الأحاديث (٦).
__________________
(١) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ٤٤٥ ط ٢ بولاق ١٣٨١ ه.
(٢) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٩١.
(٣) الزمخشرى ـ الكشاف ٢ / ٩١ ط ٢ بولاق.
(٤) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٩١.
(٥) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ٢ / ١٣٤ ط ٢ بولاق.
(٦) نفس المصدر ـ ٢ / ٢٢٥.