قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) [الزخرف ـ ٤٥] ليس المراد بسؤال الرسل حقيقة السؤال ، لاحالته ، ولكنه مجاز عن النظر فى أديانهم والفحص عن مللهم ، هل جاءت عبادة الأوثان قط فى ملة من ملل الأنبياء؟ وكفاه نظرا وفحصا نظره فى كتاب الله المعجز المصدق لما بين يديه وأخبار الله فيه بأنهم يعبدون من دون الله ، ما لم ينزّل به سلطانا وهذه الآية فى نفسها كافية لا حاجة إلى غيرها. والسؤال الواقع مجازا عن النظر ، حيث لا يصح السؤال على الحقيقة ، كثير : منه مساءلة الشعر الديار والرسوم والأطلال وقول من قال : سل الأرض من شقّ أنهارك؟ وغرس أشجارك؟ وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا (١).
ويجرى البيان القرآنى على أسلوب الشعر فى الفاصلة. يقول الزمخشرى فى الآية (وَقالُوا رَبَّنا إِنَّا أَطَعْنا سادَتَنا وَكُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب ـ ٦٧]. يقال ضل السبيل وأضله إياه ، وزيادة الألف لإطلاق الصوت ، جعلت فواصل الآى كقوافى الشعر ، وفائدتها الوقف ، والدلالة على أن الكلام قد انقطع ، وإن ما بعده مستأنف (٢).
الجناس :
يقول الزمخشرى فى الآية (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ ، وَيا سَماءُ أَقْلِعِي ، وَغِيضَ الْماءُ ، وَقُضِيَ الْأَمْرُ ، وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ، وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [هود ـ ٤٤]. يقال : بعد بعدا وبعدا ، إذا أرادوا البعد البعيد ، حيث الهلاك والموت ونحو ذلك ، ولذلك اختص بدعاء السوء ، ومجىء أخباره على الفعل المبنى للمفعول ، للدلالة على الجلالة والكبرياء ، وأن تلك الأمور العظام لا تكون إلا بفعل فاعل ، وتكوين مكوّن قاهر ، وأن فاعلها فاعل واحد لا يشارك فى أفعاله ، لا يذهب الوهم إلى أن يقول غيره يا أرض ابلعى ماءك ، ويا سماء أقلعى ، ولا أن يقضى ذلك الأمر الهائل غيره ، ولا أن تستوى السفينة على متن الجودى وتستقر عليه إلا بتسويته وإقراره ، ولما ذكرنا من المعانى والنكت ، استفصح علماء البيان هذه الآية ، ورقّصوا لها رءوسهم ، لا لتجانس الكلمتين وهما قوله : ابلعى
__________________
(١) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ٢ / ٣٥٢ و ٣٥٣.
(٢) نفس المصدر ـ ٢ / ٢٢٢.