النفسية وراء لفظة «يصنعون» (١) وكذا إشارته إلى لفظ وجه فى الآية (يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ) (٢) [يوسف ـ ٩].
التحليل الجمالى للنظم :
والزمخشرى يحلل جماليا المعانى النفسية الكامنة وراء نظم الكلام ، ففي الآية (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى ، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) [الحجرات ـ ٣] يقول : وهذه الآية بنظمها الذى رتبت عليه من إيقاع الغاضين أصواتهم اسما لأنّ المؤكّدة ، وتصيير خبرها جملة من مبتدأ وخبر معرفتين معا ، والمبتدأ اسم الاشارة ، واستئناف الجملة المستودعة ما هو جزاؤهم على عملهم ، وإيراد الجزاء نكرة مبهما أمره ، ناظرة (٣) فى الدلالة على غاية الاعتداد والارتضاء لما فعل الذين وقروا رسول الله صلىاللهعليهوسلم من خفض أصواتهم وفى الإعلام بمبلغ عزّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقدر شرف منزلته ، وفيها تعريض بعظيم ما ارتكب الرافعون أصواتهم ، واستيجابهم ضد ما استوجب هؤلاء.
ويتابع الزمخشرى قوله فى الآى بعد ما سبق (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) .. فورود الآية على النمط الذى وردت عليه ، فيه ما لا يخفى على الناظر من بينات إكبار محل رسول الله صلىاللهعليهوسلم وإجلاله ، منها مجيئها على النظم المسجل على الصائحين بالسّفه والجهل لما أقدموا عليه ، ومنها لفظ الحجرات وإيقاعها كناية عن موضع خلوته ومقيله مع بعض نسائه ، ومنها المرور على لفظها بالاقتصار على القدر الذى تبين به ما استنكره عليهم. ومنها التعريف باللام دون الإضافة ، ومنها أن شفع ذمّهم باستجفائهم واستركاك عقولهم ، وقلة ضبطهم لمواقع التمييز فى المخاطبات ، تهوينا للخطب على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وتسلية له ، وإماطة لما تداخله من إيحاش تعجرفهم وسوء أدبهم.
ثم هو يستعيننا أن نتذوق معه حلاوة الآى فيكر مرة أخرى عليها من أول
__________________
(١) نفس المصدر ـ ١ / ٢٦٦.
(٢) نفس المصدر ـ ١ / ٢٦٣.
(٣) أى الآية بنظمها هذا.