(فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) عند كل آية أوردها فى سورة المرسلات ، وكذلك تكرير الأنباء والقصص فى أنفسها لتكون تلك العبرة حاضرة للقلوب ، مصوّرة للأذهان مذكورة غير منسية فى كل أوان (١).
وعن التكرير فى القرآن يقول «مذهب كل تكرير جاء فى القرآن ، فمطلوب به تمكين المكرّر فى النفوس» (٢) ويقول الدكتور الجوينى «فجماع غاية التكرير عنده تمكين المعانى فى النفوس وبسطها بالإيضاح والتفسير ، لتوقظ الغافل أو تثير الفكر الراكد» (٣).
أسلوب الالتفات :
وبحسن الالتفات والتفنن فيه يطرى القرآن الكريم نشاط السامع ، يقول الزمخشرى فى الآية (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) [الفاتحة ـ ٥] ... الالتفات فى علم البيان قد يكون من الغيبة إلى الخطاب ، ومن الخطاب إلى الغيبة ، ومن الغيبة إلى التكلم كقوله تعالى (حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ) [يونس ـ ٢٢] وقوله تعالى (وَاللهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ) [فاطر ـ ٩] وقد التفت امرؤ القيس فى ثلاثة أبيات .. وذلك على عادة افتنانهم فى الكلام وتصرفهم فيه ، ولأن الكلام إذا نقل من أسلوب إلى أسلوب ، كان ذلك احسن تطرية لنشاط السامع ، وإيقاظا للإصغاء إليه من إجرائه على أسلوب واحد ، وقد تختص مواقعه بفوائد ، ومما اختص به هذا الموضع ، أنه لما ذكر الحقيق بالحمد ، وأخرى عليه تلك الصفات العظام ، تعلق العلم بمعلوم عظيم الشأن حقيق بالثناء ، وغاية الخضوع والاستعانة فى المهمات ، فخوطب ذلك المعلوم المتميز بتلك الصفات ، فقيل إياك : يا من هذه صفاته ، نخصّ بالعبادة والاستعانة لا نعبد غيرك ولا نستعينه ، ليكون الخطاب أدل على أن العبارة له لذلك التميز ، الذى لا تحق له العبادة إلا به (٤).
__________________
(١) نفس المصدر ـ ٢ / ٤٢٢.
(٢) نفس المصدر ١ / ١٤. وقد عدد الزمخشرى من ضروب التكرير أربعة. فقد يكون التكرير للتخصيص ٢ / ٤٢٢ وقد يكون للتهجين ١ / ٥٨. ومنه نوع يقصد به التهويل ١ / ٤٤٧ والنوع الرابع هو الابتهال ١ / ١٨٤. أشار إليها د. الجوينى فى كتابه منهج الزمخشرى فى تفسير القرآن ص ٢٢٩ وما بعدها.
(٣) الدكتور مصطفى الجوينى ـ منهج الزمخشرى ـ ٢٢٩.
(٤) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ٨ و ٩.