واستخدام أداة (يأيها) للنداء فيه ضروب من التأكيد تستوقف الزمخشرى فى الآية (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ) (١) [البقرة ـ ٢١].
أسلوب الإيجاز :
وحين يعرض الزمخشرى لأسلوب الإيجاز فى القرآن يشير إلى قوله تعالى (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة ـ ٢] فإن قلت : فهلا قيل هدى للضالين؟ قلت : لأن الضالين فريقان ، فريق علم بقاؤهم على الضلالة ، وهم المطبوع على قلوبهم ، وفريق علم أن مصيرهم إلى الهدى ، فلا يكون هدى للفريقين الباقين على الضلالة ، فبقى أن يكون هدى لهؤلاء ، فلو جىء بالعبارة المفصحة عن ذلك لقيل هدى للصائرين إلى الهدى بعد الضلال فاختصر الكلام بإجرائه على الطريقة التى ذكرنا ، وقيل «هدى للمتقين» (٢).
ويقول فى الآية (وَما كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ وَلكِنَّا أَنْشَأْنا قُرُوناً فَتَطاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ) [القصص ـ ٤٥] وما كنت شاهدا لموسى وما جرى عليه ولكنا أوحيناه إليك ، فذكر سبب الوحى الذى هو إطالة الفترة ، ودل به على المسبّب على عادة الله عزوجل فى اختصاراته (٣).
أسلوب التكرار :
ويطيل الوقوف عند أسلوب التكرار ويكرر المعانى النفسية الكامنة وراء مثل قوله (فإن قلت : ما فائدة تكرير قول (فَذُوقُوا عَذابِي وَنُذُرِ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر ـ ١٥]؟ قلت : فائدته أن يجددوا عند استماع كل نبأ من أنباء الأولين ، ادّكارا واتعاظا ، وأن يستأنفوا تنبّها واستيقاظا إذا سمعوا الحث على ذلك ، والبعث عليه ، وأن يقرع لهم العصا مرات ، ويقعقع لهم الشّنّ تارات ، لئلا يغلبهم اللهو ولا تستولى عليهم الغفلة ، وهكذا حكم التكرير كقوله (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) عن كل نعمة عدّها فى سورة الرحمن ، وقوله
__________________
(١) نفس المصدر ـ ١ / ٣٧.
(٢) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ٢٦.
(٣) نفس المصدر ـ ٢ / ١٦٥.