(وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ) [الأنبياء ـ ٨١] قائلا : فإن قلت : وصفت هذه الرياح بالعصف تارة وبالرخاوة أخرى فما التوفيق بينهما؟ قلت : كانت فى نفسها رخية طيبة كالنسيم ، فإذا مرّت بكرسيه أبعدت به فى مدة يسيرة على ما قال غدوها شهر ورواحها شهر فكان جمعها بين الأمرين أن تكون رخاء فى نفسها ، وعاصفة فى عملها ، مع طاعتها لسليمان وهبوبها على حسب ما يريد ويحتكم ، آية إلى آية ومعجزة إلى معجزة (١).
وهو يحاول أن يوفق بين القرآن والحديث النبوى الصحيح ، فالحديث مفسّر للقرآن ومبيّن له ، ويقول عند الآية (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ ، بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) [النساء ـ ٤٩] فان قلت : أما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «والله أنّى لأمين فى السماء أمين فى الأرض»؟ قلت : إنما قال ذلك حين قال له المنافقون أعدل فى القسمة ، إكذابا لهم إذ وصفوه بخلاف ما وصفه به ربه ، وشتّان من شهد الله له بالتزكية ، ومن شهد لنفسه أو شهد له من لا يعلم (٢) وفى الآية (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ) [الفتح ـ ٢٩] فإن قلت : فقد جاء عن النبى صلىاللهعليهوسلم (لا تقلبوا صوركم) وعن ابن عمر رضى الله عنه أنه رأى رجلا قد أثر فى وجهه السجود ، فقال له أن صورة وجهك أنفك ، فلا تقلب وجهك ، ولا تشن صورتك؟ قلت : ذلك إذا اعتمد بجبهته على الأرض لتحدث فيه تلك السمة وذلك رياء ونفاق يستعاذ بالله منه ، ونحن فيما حدث فى جبهة السّجّاد الذى لا يسجد إلا خالصا لوجه الله تعالى (٣) إلى غير ذلك (٤).
لقد حكّم الزمخشرى خمسة الأصول فى التفسير القرآنى ، مؤمنا بها مبادئا للفئة الناجية العدلية ، الجامعين بين علم العربية والأصول الدينية (٥) إذ جعل الآية المناصرة ظواهرها للمذهب الاعتزالى محكمة ، وتلك التى تخالفه متشابهة ، ثم رد
__________________
(١) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ٢ / ٥١.
(٢) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ٢١٠.
(٣) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ٢١٠.
(٤) نفس المصدر ـ ١ / ٢٦٨.
(٥) نفس المصدر ـ ١ / ٣.