المغرضين ثم بناء قضايا العقيدة خالصة من الشوائب ، وهم ـ فى أثناء ذلك يعرضون هذه القضايا من خلال مفاهيمهم الاعتزالية ، أى من خلال مبادئ الاعتزال الخمسة. التوحيد والعدل والوعد والوعيد والمنزلة بين المنزلتين والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.
وجاءت آراء الزمخشرى فى الأعجاز محتوية على الجانبين الكبيرين كلاما وبلاغة.
المبحث الكلامى من الإعجاز عند الزمخشرى :
سجل الزمخشرى فى كشافه الدليل القاطع على أن المعانى القرآنية كلّ متناسق ، متجاوب لا تناقض فيه ولا اختلاف ، يقول عند شرح الآية (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلا تَقْرَبُوها) [البقرة ـ ١٨٧] فإن قلت : كيف قيل فلا تقربوها مع قوله (فَلا تَعْتَدُوها) (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ) [البقرة ـ ٢٢٩]؟ قلت : من كان فى طاعة الله والعمل بشرائعه ، فهو متصرف فى حيز الحق ، فنهى أن يتعداه لأن من تعداه وقع فى حيز الباطل ، ثم بولغ فى ذلك فنهى أن يقرب الحد الذى هو الحاجز بين الحق والباطل لئلا يدانى الباطل ، وأن يكون فى الواسطة متباعدا عن الطرف فضلا عن أن يتخطاه كما قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إن لكل ملك حمى ، وحمى الله محارمه ، فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه» فالرّتع حول الحمى وقربان حيّزه واحد (١).
ويقول عند الآية (قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا ، فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ ، يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ) [آل عمران ـ ١٣٠] فإن قلت : فهذا مناقض لقوله فى سورة الأنفال (وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) [الأنفال ـ ٤٤] قلت : «قللوا أولا فى أعينهم حتى اجترءوا عليهم ، فلما لاقوهم كثروا فى أعينهم حتى غلبوا ، فكان التقليل والتكثير فى حالين مختلفين ، ونظيره من المحمول على اختلاف الأحوال قوله تعالى (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌّ) [الرحمن ـ ٣٩] وقوله تعالى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ) [الصافات ـ ٢٤] وتقليلهم تارة وتكثيرهم أخرى أبلغ فى القدرة وإظهار الآية (٢) ويقف عند الآية
__________________
(١) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ٩٢ و ٩٣ ط الأولى بالمطبعة العامرة الشرقية ١٣٠٧ ه.
(٢) الزمخشرى ـ الكشاف ـ ١ / ١٣٧ و ١٣٨.