فى الأبيات
المشهورة (ولما قضينا من منى) ويذكر أن المقاييس النحوية معنوية ولفظية ، والمعنوية أقوى
.
أقصد من وراء هذا
، أن أقول ـ إن نظرية النظم لم تخلق من فراغ ، فبذورها موجودة ، وليس ببعيد عنا
تلك المناظرة الحادة التى قامت بين الحسن بن عبد الله ، ابن المرزبان ، المعروف
بأبى سعيد السيرافى ، وبين أبى بشر متى بن يونس فى مجلس الوزير أبى الفتح الفضل بن
جعفر بن الفرات ، فى كلام السيرافى نرى ملامح التفكير فى نظرية النظم بين المناطقة
والنحويين. قال أبو سعيد السيرافى ، فيما دار بينه وبين أبى بشر متى. (أسألك عن
حرف واحد هو دائر فى كلام العرب ومعانيه متميّزة عند أهل العقل ، فاستخرج أنت
معانيه من ناحية منطق أرسطاطاليس الذى تدلّ به وتباهى بتفخيمه وهو (الواو) ما
أحكامه ، وكيف مواقعه؟ وهل هو على وجه واحد؟ فبهت متّى وقال : هذا نحو ، والنحو لم
أنظر فيه ، لأنه لا حاجة للمنطقى مع النحو ، وبالنحوى حاجة إلى المنطق ، لأن
المنطق يبحث عن المعنى ، والنحو يبحث عن اللفظ ، فإن مرّ المنطقى باللفظ فبالعرض ،
وإن عثر النحوى بالمعنى فبالعرض ، والمعنى أشرف من اللفظ ، واللفظ أوضح من المعنى.
قال أبو سعيد : أخطأت. لأن الكلام والنطق واللغة ، واللفظ والإفصاح والإعراب
والإبانة والحديث والإخبار والاستخبار والعرض والتمنى والنهى والحض والدعاء
والنداء والطلب ، كلها فى واد واحد بالمشاكلة والمماثلة ، ألا ترى أن رجلا لو قال
: «نطق زيد بالحق لكن ما تكلم بالحق ، وتكلم بالفحش ولكن ما قال الفحش ، وأعرب عن
نفسه ولكن ما أفصح ، وأبان المراد ولكن ما أوضح ، أوفاه بحاجته ولكن ما لفظ ، أو
أخبر ولكن ما أنبأ ، لكان فى جميع هذا مخرفا ومناقضا ، وواضعا للكلام فى غير حقه ،
ومستعملا اللفظ على غير شهادة من عقله ، وعقل غيره ، والنحو منطق ولكنه مسلوخ من
العربية ، والمنطق نحو ، ولكنه مفهوم باللغة» وحين يقول متى : يكفينى من لغتكم هذه
، الاسم والفعل والحرف ، فإنى أتبلغ بهذا القدر إلى أغراض قد هذبتها لى يونان ،
يجيبه السيرافى : أخطأت لأنك فى هذا الاسم والفعل والحرف فقير إلى وصفها
__________________