وذكر «باب ما يحذف فيه الفعل لكثرته فى كلامهم حتى صار بمنزلة المثل» (١) وأقر الاضمار على شريطه التفسير (٢).
يقول الدكتور ناصف «فالظاهر أن سيبويه أدرك النظم الذى هو قوام النحو ، وقد شرح أحيانا مواضع استعمال صور الوجه الذى يستعين عليه التعبير ليبلغ هدفه ، انظر إلى قوله مثلا «تقول العرب حمدا لله ، وثناء عليه ، وحمد لله وثناء عليه ، الأول تقوله وقد وقع ما يوجب الحمد ، والثانى للإبانة عن حالك الذى أنت عليها» فأنت ترى أسلوبين يفترقان فى مواضع الاستعمال ولا يختلفان فى التركيب ولا فى صورة النطق إلا من ناحية النصب والرفع ، ويستطرد الدكتور ناصف قائلا «وهكذا يفعل سيبويه فى كثير مما عرض له من أساليب النفى والاستفهام والشرط والتقديم والحذف» (٣).
وهذا ضرب من ضروب الأساليب البلاغية ، وميدان من الميادين التى تتجلى فيها عبقرية اللغة ويتضح من خلالها لون من ألوان فلسفتها.
ويرى الدكتور حسن عون ، أن هذا البحث من كتاب سيبويه أصبح فيما بعد «مصدرا هاما من مصادر عبد القاهر الجرجانى فاستغله استغلالا واسعا» (٤).
إذن فقد اهتمت البيئة النحوية بمسائل النظم ، وهذا ابن جنى المعتزلى (ت ٣٩٢) يعقد فصلا بعنوان «مشابهة معانى الإعراب معانى الشعر» وهو يستند إلى آراء أبى على الفارسى الذى أفاد منه عبد القاهر ومنها ما هو قريب فى نهجه ولونه من مباحث النظم فى الدلائل (٥) ونرى ابن جنى يفند أوهام اللفظيين
__________________
(١) نفس المصدر ـ ١ / ٢٨٠.
(٢) نفس المصدر ـ ١ / ٢٥٣ و ٢٧٧.
(٣) الدكتور مصطفى ناصف ـ النظم فى دلائل الاعجاز ـ حوليات آداب عين شمس ـ المجلد الثالث ص ١٨ ـ سنة ١٩٥٢ م.
(٤) الدكتور حسن عون ـ أول كتاب فى نحو العربية ـ مجلة آداب اسكندرية المجلد ١١ / ٤٨ سنة ١٩٥٧ م. وقد ذكر الجرجانى كتاب سيبويه فى (الدلائل) ص ٧٣ و ١٤٥ و ٢١٠ وفى الأسرار ٩٦ و ١٩٨ و ٢٢٩ و ٢٩٣.
(٥) ابن جنى ـ الخصائص ـ ٢ / ١٦٨ ـ ١٧٨ ط دار الكتب ١٩٥٥ بتحقيق محمد على النجار.