وبنائها على الترتيب الواقع فى غرائز أهلها ، وكذلك أنت محتاج بعد هذا إلى حركات هذه الأسماء والأفعال والحروف ، فإن الخطأ والتحريف فى الحركات ، كالخطإ والفساد فى المتحركات» ثم يقول : معانى النحو منقسمة بين حركات اللفظ وسكناته ، وبين وضع الحروف فى مواضعها المقتضية لها ، وبين تأليف الكلام بالتقديم والتأخير ، وتوخى الصواب فى ذلك وتجنب الخطأ من ذلك ، وإن زاغ شىء عن هذا النعت ، فإنه لا يخلو من أن يكون شائغا بالاستعمال النادر والتأويل البعيد ، أو مردودا لخروجه عن عادة القوم الجارى على فطرتهم (١).
ليس هذا فقط. ففي كتاب المجاز لأبى عبيدة ، نجد حديثا عن التقديم والتأخير حين يقول : ومن مجاز المقدم والمؤخر قال «فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزّت وربت» أراد ربت واهتزت وقال «ولم يكد يراها» أى لم يرها ولم يكد (٢).
والمبرد ، لم يفته أن يبين علاقة النظم بالمعنى ، فيقول : إذا قلت جاءنى عبد الله الفاسق الخبيث ، كنت عرّفته بالخبث والفسق ، وهذا أبلغ فى الذم أن يقيم الصفة مقام الاسم (٣).
والخطابى ـ أبو سليمان حمد بن محمد ـ له رسالة رائعة فى «بيان إعجاز القرآن» يحدثنا فيها عن أقسام الكلام الفاضل بأن «القسم الأول أعلى طبقات الكلام وأرفعه ، والقسم الثانى أوسطه وأقصره ، والقسم الثالث أدناه وأقربه ، فحازت بلاغات القرآن من كل قسم حصة ، وأخذت من كل نوع من أنواعها شعبة ، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتى الفخامة والعذوبة ، وهما على الانفراد فى نعوتهما كالمتضادين ، لأن العذوبة نتاج السهولة ، والجزالة والمتانة فى الكلام تعالجان نوعا من الوعورة ، فكان اجتماع الأمرين فى نظمه مع نبوّ كل منهما على الآخر فضيلة خصّ بها القرآن» ثم يستطرد قائلا «وإنما تعذر على البشر الاتيان بمثله لأمور : منها أن علمهم لا يحيط بجميع أسماء اللغة
__________________
(١) أبو حيان التوحيدى ـ الإمتاع والمؤانسة ١ / ١٠٨ ـ وما بعدها ـ ط مكتبة الحياة ـ بيروت. وانظر النص فى ياقوت الحموى ـ معجم الأدباء ـ ٢ / ١٩٠ وما بعدها.
(٢) أبو عبيدة معمر بن المثنى ـ مجاز القرآن ـ ١ / ١٢.
(٣) المبرد ـ الكامل ـ ٢ / ١٢٠ وقد رجع الجرجانى إلى المبرد فى الأسرار فى ٤١ و ٢٨٦.