هذا هو المبحث
البلاغى من جهود الجرجانى فى نظرية الاعجاز ، وإعجاز القرآن عنده ، فى نظم القرآن
الكريم ، ذلك النظم القائم على النحو ومعانيه المعتمد على الجانب العقلى الجانح
إلى المجال النفسى ، والى مدى استيعاب القارئ لهذه الدّرر. فكرا واستمالة نفسية ،
فيكتمل بذلك البناء الذى أراده الجرجانى فى النظم.
نظرية النظم لها
بذور سلفية :
إن استقصاء سريعا
لما كتبه السابقون للجرجانى ، سيد لنا على أنهم تنبّهوا لنظرية النظم ، وتكلموا
فيها ، وبخاصة النحويون حين عالجوا قضايا النحو ، ولم تقم نظرية عبد القاهر إلا
على النحو.
أقول : إن النحو
قبل عبد القاهر كان بسبيل من العناية بالنظم ، إلى جانب الاعتناء بأواخر الكلمات ،
وان كانت هذه أوضح وأغلب ، فلم يفت سيبويه أن يشير إلى الاشتقاق والإمالة فى
الكلام يقول «هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة» : فمنه مستقيم حسن محال ،
ومستقيم كذب ، ومستقيم قبيح ، وما هو محال كذب ، فأما المستقيم فقولك «أتيتك غدا
وسآتيك أمس» وأما المستقيم الكذب ، فقولك : حملت الجبل ، وشربت ماء البحر ، ونحوه
، وأما المستقيم القبيح ، فأن تضع اللفظ فى غير موضعه ، نحو قولك قد زيدا رأيت ،
وكى زيدا يأتيك ، وأشباه هذا. فأما المحال الكذب ، فأن تقول سوف أشرب ماء البحر
أمس كما تحدث عن الابتداء الذى جاء فى الدلائل ويصح تقديم خبر كان على اسمها ويصح تأخيره قال سيبويه «والتقديم
هاهنا والتأخير فيما يكون ظرفا أو يكون اسما فى العناية والاهتمام ، مثله فيما
ذكرت لك فى باب الفاعل والمفعول ، وجميع ما ذكرت لك من التقديم والتأخير والإلغاء
والاستقرار عربى جيد كثير ، فمن ذلك قوله عزوجل (لَمْ يَكُنْ لَهُ
كُفُواً أَحَدٌ) ، وأهل الجفاء من العرب يقولون : لم يكن كفوا له أحد ،
كأنهم أخروها حيث كانت غير مستقرّة»
__________________