عجيب تصرف اليد ، وما تعلم منه مكان الحذق وموضع الأستاذية (١).
فإذا كنا قد رأينا هربارت يحمل على استخدام الألفاظ العامة فى وصف الجميل من حيث هى تجمع إلى الذاتية خطأ التجريد ، ويدعو إلى البحث عن كل عنصر من العناصر المكونة للجميل ، فكذلك الشأن عند الجرجانى ، يبدأ من نفس البداية وهى أن الجمال يتحقق فى الشيء الجميل (٢).
وهذا الأمر واضح لدى الجرجانى ، مرة يقول : أنه لا يكفى فى علم الفصاحة أن تنصب لها قياسا وأن تصفها مجملا ، وتقول فيها قولا مرسلا (٣) ومرة يخاطب القارئ أنه «لا بدّ لكل كلام تستحسنه ولفظ تستجيده من أن يكون لاستحسانك جهة معلومة وعلة معقولة» (٤).
وفى هذا يختلف الجانب الجمالى عن الجانب الذوقى ، فالأول يحتاج إلى قاعدة تتميز بالصفة المعقولة حتى لا يترك الجمال رهينة فى يد من لا يملكون حسن البصر بأمور الشعر ولا يفهمون مراميه ، فيتشتت بينهم ويتجمد ، أما الذوق وعليه تعتمد البلاغة فيما تعتمد فهو باب «لا تقوى عليه العبارة ، ولا تملك فيه إلا الإشارة ، وان طريق التعليم إليه مسدود وباب التفهيم دونه مغلق ، وأن معانيك (أيها القارئ) فيه ، معان تأبى أن تبرز من الضمير ، وأن تدين للتبيين والتصوير ، وأن ترى سافرة لا نقاب عليها ، وبارزة لا حجاب دونها ، وأن ليس للواصف لها إلا أن يلوح ويشير ويضرب مثلا. ينبئ عن حسن قد عرفه على الجملة ، وفضيلة قد أحسها من غير أن يتبع ذلك بيانا ، ويقيم عليه برهانا ، ويذكر له علّة ويورد فيه حجة ، وأنا أنزل لك القول بذلك وأدرجه شيئا فشيئا (٥).
وبينما يرى أن الذّوق فطرى (٦) يرى أن الجمال يمكن إدراكه وذلك عن طريق الطبع مع الدراسة والبحث والنظر.
__________________
(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٣٦.
(٢) الدكتور عز الدين اسماعيل ـ الأسس الجمالية فى النقد العربى ـ ٢٠٩ و ٢١٠.
(٣) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٢٧.
(٤) نفس المصدر ـ ٢٩.
(٥) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٣١٥.
(٦) نفس المصدر ـ ٣٥٦.