والتجدد فنحن حين نقول «زيد منطلق تثبت له صفة الانطلاق ، كالانطلاق وحين نقول جاء زيد وهو ينطلق فنكون قد أثبتنا له صفة الانطلاق المتجددة ، وهنا يتضح الفرق بين قوله تعالى (وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) [الكهف ـ ١٨] وبين القول (وكلبهم يبسط ذراعيه بالوصيد) من حيث الثبات والتجدد والحركة والكمون (١).
هى نظرية تبحث عن المعانى التى تنشأ عن النحو ، وعن طريق النحو تتحدد العلاقات بين الألفاظ ، وهذه العلاقات ليست فى مستوى واحد من الوضوح ، لذا احتاجت إلى نظر وفكر وتأمل وإلى منطق تستند إليه دقائق الأمور.
الجانب النفسى :
ومعانى النحو هذه والمنطق ، استندا ـ عند الجرجانى ، إلى عنصر ثالث عند ما يقرر نظرية النظم سرا للاعجاز ـ أقصد به القارئ نفسه وعملية التأثير فيه ـ فلم ينس الجرجانى قارئه ، بل اعتنى به عناية خاصة ، وظل يراعيه ويقدم له الرأى بعد الرأى ، ويزيل عنه الشك بعد الشك وهو ـ فى براعة وذكاء ـ يجول فى نفس قارئه ، يطمئنها ويريحها ليكسب ثقتها ويشعرها بكريم المقصد ، ونبل الغاية ، وأحقية الصبر والروية للوصول إلى نهاية الطريق.
لقد عول الجرجانى كثيرا على الذوق ، وعلى تنبيه الحس اللغوى لزنة الأساليب ودرك خصائصها (٢) فتراه يتحدث عن منشئ الكلام ـ أنه حين ينظم الكلام ، إنما يقتفى فى نظمها آثار المعانى ويرتبها على حسب ترتيبها فى النفس ، يقول «فهو إذن نظم فيه مراعاة حال المنظوم بعضه من بعض ، وليس هو النظم الذى معناه : ضم الشيء إلى الشيء كيف جاء واتفق» (٣).
والناظم يتميز عن ناظم آخر بقدر معانيه التى قصد إليها وأغراضه التى وضع لها الكلام ، فسبيل هذا الأمر «سبيل الأصباغ التى تعمل منها الصور والنقوش ،
__________________
(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ ١١٥.
(٢) نفس المصدر ـ ٤.
(٣) نفس المصدر ـ ٣٥.