الاستعارة ، إنما هى : ادعاء معنى الاسم للشيء ، لا نقل الاسم عن الشيء ، وإذا ثبت أنها ادعاء معنى الاسم للشيء ، علمت أن الذى قالوه من : أنها تعليق للعبارة على غير ما وضعت له فى اللغة ، ونقل لها عما وضعت له». كلام قد تسامحوا فيه ، لأنه إذا كانت الاستعارة ادعاء معنى الاسم ، لم يكن الاسم مزالا عما وضع له بل مقرّا عليه (١).
وهناك أقوال نادت بأن الفصاحة تكمن فى حروف اللفظ من حيث هو لفظ ، ويرفض الجرجانى هذه الفكرة ويعلن أنها باطلة ، ويتخذ العقل حكما بينه وبين القارئ ، فالفصاحة عنده «لا تخلو من أن تكون صفة فى اللفظ محسوسة تدرك بالسمع ، أو تكون صفة فيه معقولة تعرف بالقلب ، فمحال أن تكون صفة فى اللفظ محسوسة لأنها لو كانت كذلك ، لكان ينبغى أن يستوى السامعون للفظ الفصيح فى العلم بكونه فصيحا ، وإذا بطل أن تكون محسوسة ، وجب الحكم ضرورة بأنها صفة معقولة ، وإذا وجب الحكم بأنها صفة معقولة ، فإنا لا نعرف للفظ صفة يكون طريق معرفتها العقل دون الحس إلا دلالته على معنى ، وإذا كان كذلك ، لزم منه العلم بأن وصفنا اللفظ بالفصاحة ، وصف له من جهة معناه ، لا من جهة نفسه ، وهذا ما لا يبقى لعاقل معه عذر فى الشك» (٢).
فالجانب العقلى يعتبر جزءا هاما من نظرية النظم ، والحديث عنها قائم على المنطق والفكر ، وهذا ما ظهر واضحا عند بحث الجرجانى فى تقديم الذات الفاعلة على الفعل الناتج عنها ، وقيمته المغايرة لتقديم الفعل عامة على الذات الفاعلة (٣). وفى جنس الفاعلين وتحديده ، حين تتقدم ذات ـ أى ذات ـ على الفعل الذى أتت به (٤) وكذا فى بحوثه فى التفكير (٥) وفى فروق الخبر ، ونوعى الخبر من الثبات
__________________
(١) يقصد بعبارة «أن الاستعارة تعليق على غير ما وضعت له فى أصل اللغة على سبيل النقل» أبا الحسن الرمانى ـ انظر ثلاث رسائل ص ٧٩ ط الثالثة. ويقصد بعبارة «إن الاستعارة ما اكتفى فيه بالاسم المستعار عن الأصلى» أبا الحسن على بن عبد العزيز الجرجانى ـ انظر الوساطة ص ٤١ والدلائل ـ ٢٨٤.
(٢) نفس المصدر ـ ٢٦٤.
(٣) نفس المصدر ـ ٨٣.
(٤) نفس المصدر ـ ٩٣.
(٥) نفس المصدر ـ ٩٤ و ٩٥.