أن يكون فيها ـ كان قد أبى أن يكون القرآن معجزا بنظمه ، ولزمه أن يثبت شيئا آخر يكون معجزا به ، وأن يلحق بأصحاب «الصّرفة» (١) فيدفع الإعجاز من أصله» (٢)).
تقرير النظرية عند الجرجانى :
اعتمد الجرجانى فى تقرير نظريته فى النظم على جانبين هما :
ا ـ الجانب العقلى.
ب ـ الجانب النفسى.
الجانب العقلى :
وأقصد بالجانب العقلى ، ذلك الاتجاه إلى توضيح الفكرة بالاعتماد على المنطق وقضاياه فى سبيل الوصول إلى ابراز عناصر هذه الفكرة ونظرية الجرجانى هى النظم القائم على معانى النحو.
وقد وجدنا الجرجانى يتحدث إلى عقل القارئ ويناشده التأمل والتصور ، والبعد عن التعصب والتقليد ، فالتقليد كسل عقلى ، وهو سيتكلم عن الشمول وعن العموم والخصوص ، وعن الجزئية المكوّنة للصورة الكلية وعن الثبات والتجدد ، وعن التفكير عند الإنسان ، وعن المعنى ومعنى المعنى ، فلجأ ـ وهو الأديب المتكلم ـ إلى عقل القارئ وإلى المنطق.
يقول مثلا ، حين يثبت أن البلاغة تتعلق بالمعنى لا باللفظ «وأوضح من هذا كله ، وهو أن النظم الذى يتواصفه البلغاء ، وتتفاضل مراتب البلاغة من أجله ، صنعة ، يستعان عليها بالفكرة لا محالة ، واذا كانت مما يستعان عليها بالفكرة ويستخرج بالرويّة ، فينبغى أن ينظر فى الفكر ، بما ذا نلبّس؟ أبالمعانى أم بالألفاظ ، فأىّ شىء وجدته الذى تلبس به فكرك من بين المعانى والألفاظ ، فهو الذى تحدث فيه صنعتك ، وتقع فيه صياغتك ونظمك وتصويرك ، فمحال أن تتفكر فى شىء وأنت لا تصنع فيه شيئا ، وإنما تصنع فى غيره ، لو جاز ذلك ،
__________________
(١) أصحاب الصرفة هم المعتزلة.
(٢) الدلائل ـ ٣٤٤.