كتعلق حرف النفى والاستفهام والشرط والجزاء بما يدخل عليه ، وذلك أن شأن هذه المعانى أن تتناول ما تتناوله بالتقييد ، وبعد أن يسند إلى شىء. معنى ذلك ، أنك إذا قلت «ما خرج زيد» ، «وما زيد خارج» ، لم يكن النفى «واقع بها متناولا الخروج على الإطلاق ، بل الخروج واقعا من زيد ومسندا إليه. ومختصر كل الأمر أنه لا يكون كلام من جزء واحد. وأنه لا بدّ من مسند ومسند إليه ، ... وأنه لا يكون كلام من حرف وفعل أصلا ، ولا من حرف واسم ، إلا فى النداء نحو : «يا عبد الله» .... فهذه الطرق والوجوه فى تعلق الكلمة بعضها ببعض ، وهى كما تراها معانى النحو وأحكامه ... ثم إنا نرى هذه كلها موجودة فى كلام العرب ، ونرى العلم بها مشتركا بينهم (١)
ومعانى النحو شىء والإعراب المعروف شىء آخر ، بعيد كل البعد عن معانى النحو ، «فالعلم بالإعراب ، مشترك بين العرب كلّهم ، وليس هو مما يستنبط بالفكر ، ويستعان عليه بالروية ، فليس أحدهم ، بأن إعراب الفاعل الرفع ، أو المفعول النصب ، والمضاف اليه الجر. بأعلم من غيره ، ولا ذاك مما يحتاجون فيه إلى حدة ذهن وقوة خاطر ، وإنما الذى تقع الحاجة فيه إلى ذلك ، العلم بما يوجب الفاعلية للشيء ، إذا كان ايجابها من طريق المجاز ، كقوله تعالى (فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ) [البقرة ـ ١٦] وكقول الفرزدق .. سقتها خروق فى المسامع ... وأشباه ذلك مما يجعل الشيء فيه فاعلا على تأويل يدقّ ، ومن طرق تلطف ، وليس يكون هذا علما بالاعراب ولكن بالوصف الموجب بالإعراب (٢).
وإذا كان الأمر كذلك ، فليس النظم (شيئا غير «توخى معانى النحو وأحكامه فيما بين معانى الكلم ، ثبت من ذلك أن طالب دليل الإعجاز من نظم القرآن ، إذا هو لم يطلبه فى معانى النحو وأحكامه ووجوهه وفروقه ، ولم يعلم أنها معدنه ومعانه (٣) وموضعه ومكانه ، وأنه لا مستنبط له سواها ، وأن لا وجه لطلبه فيما عداها ، غار نفسه بالكاذب من الطمع ، ومسلم لها الخدع ، وأنه إن أبى
__________________
(١) الجرجانى ـ الدلائل ـ الصفحات من (ز) الى (ف) من المدخل.
(٢) الجرجانى ـ الدلائل ـ ص ٣٩٥ تحقيق محمود شاكر ، ورجعت إليها فى هذا النص لأن نسخة الدلائل التى رجعت اليها فى البحث ليست بين يدى. المهم توثيق النص.
(٣) المعان : المباءة والمنزل ، ويعدّ بعضهم ميمه أصلية ، وبعضهم أنه على وزن «مفعل».