يستنكرون الألفاظ على الأمثلة من المعانى ، يدعون السليم من المعنى إلى السقيم ، ويرون الفائدة حاضرة ، وقد أبدت صفحتها ، وكشفت قناعها ، فيعرضون عنها حبا للتشوف (١) وقصدا إلى التمويه وذهابا فى الضلال (٢).
هناك ، قد تحامل الظاهريون على الحقيقة ، وهنا يتحامل المعتزلة على المجاز (٣).
وقد ذهب العلماء إلى أن القرآن معجز بنفسه ـ كما يقول الجرجانى وأنه فى نظمه وتأليفه على وصف لا يهتدى الخلق إلى الإتيان بكلام هو فى نظمه وتأليفه على ذلك الوصف (٤) ويرفض الجرجانى هذا الرأى ، فلا فرق حينئذ بين أن يكون الفعل معجزا فى جنسه كإحياء الموتى ، وبين أن يكون معجزا لوقوعه على وصف.
وإذا عدنا إلى حقيقة المعجز عند الباقلانى ، سنجده ممن يدخلون دائرة هؤلاء العلماء المنادين بأن القرآن معجز بنفسه (٥).
هذا هو الجانب الكلامى للإعجاز عند الجرجانى ، هدم المخطئ والضار ثم بنى الصالح النافع ، وهو يريد أن يصل إلى تثبيت نظريته فى الاعجاز وهى «نظرية النظم» ، فالقرآن معجز لنظمه ، لا للصرفة ، ولا لنفسه ولا لسوى ذلك.
الجانب البلاغى عند الجرجانى :
هناك أسباب كثيرة دفعت بالجرجانى إلى خوض ميدان الإعجاز منها الذاتى ، مثل استعداده الثقافى واتجاهاته الدينية الأدبية الكلامية ، ومنها العام مثل حالة العلماء وحالة كتب البلاغة ثم التكلف والتعقيد وظهورهما منهجا يحتذى. ونفصل الأسباب.
__________________
(١) التشوف ـ التزين.
(٢) الجرجانى ـ الأسرار ـ ٣١٤.
(٣) يقول المرتضى فى أماليه «ليس يجب أن تؤخذ العرب بالتحقيق فى كلامها ، فان تجوزها واستعاراتها أكثر» أمالى المرتضى ٢ / ٣٦ ـ وانظر إلى مواضع عديدة فى الأمالى.
(٤) الجرجانى ـ الرسالة الشافية ـ ٦٢٥.
(٥) الباقلانى ـ إعجاز القرآن ـ ٢٨٨ و ٢٨٩.