وقوله (وَجاءَ رَبُّكَ) و (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) وأشباه ذلك ، يقول عنهم «فإذا قيل لهم إن الإتيان والمجيء انتقال من مكان إلى مكان ، وصفة من صفات الأجسام ، وأن الاستواء إن حمل على ظاهره لم يصح إلا فى جسم يشغل حيزا ، ويأخذ مكانا ، والله عزوجل خالق الأماكن والأزمنة ، ومنشئ كل ما تصح عليه الحركة والنّقلة ، والتمكن والسكون والانفصال والاتصال ، والمماسة ، والمحاذاة ، وأن المعنى على «إلا أن يأتيهم أمر الله ، وجاء أمر ربك» وأن حقه أن يعبر بقوله تعالى (فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا) وقول الرجل : آتيك من حيث لا تشعر ، يريد أنزل بك المكروه. نعم ، إذا قلت ذلك للواحد منهم ، إن أعطاك الوفاق بلسانه فبين جنبيه قلب يتردد فى الحيرة ويتقلب .. لا يحضره التوفيق بقدر ما يعلم به أنه إذا كان لا يجرى فى قوله تعالى (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) على الظاهر لأجل علمه أن الجماد لا يسأل ، مع أنه لو تجاهل متجاهل فادعى أن الله تعالى خلق الحياة فى تلك القرية ، حتى عقلت السؤال ، وأجابت عنه ونطقت ، لم يكن قال قولا يكفر به ، ولم يزد على شىء يعلم كذبه فيه ، فمن حقه أن لا يجثم هاهنا على الظاهر (١) ولا يضرب الحجاب دون سمعه وبصره حتى لا يعى ، ولا يراعى مع ما فيه إذ أخذ على ظاهره من التعرض للهلاك والوقوع فى الشرك (٢).
ومبدأ التفسير بالظاهر أى عند بعضهم إلى التشبيه والتجسيم فالخروج من المعقول إلى المحال. واعتنقه بعضهم مذهبا فسفيا دافع عنه باخلاص بعد أن عمل على تنقيته من شوائب التشبيه والتجسيم (٣).
ثانيا : المعتزلة :
لقد فرّط أهل الظاهر وبالغوا فى فهم القرآن الكريم وآياته بينما أفرط المعتزلة وبالغوا تنزيها. لذا يهاجم الجرجانى المعتزلة كما هاجم الظاهرين ـ يقول : وأما الأفراط فيما يتعاطاه قوم يحبون الإغراب فى التأويل ، ويحرصون على تكثير الوجوه ، وينسون أن احتمال اللفظ شرط فى كل ما يعدل به عن الظاهر ، فهم
__________________
(١) جملة «فمن حقه .. الخ جواب قوله «إذا كان لا يجرى .. الخ» ، والجثم هنا المراد به شدة التمسك ، وهو بمعنى التلبد بالأرض.
(٢) الجرجانى ـ أسرار البلاغة ـ ٣٢١ و ٣١٣.
(٣) لنا حديث عن الإعجاز عند ابن حزم الأندلسى الظاهرى ـ سيأتى إن شاء الله ، وانظر فى ذلك محمد أبو زهرة ـ ابن حزم ـ ص ٢٢٤.