وما دعاكم إليه؟ وما أردتم منه؟ أأن يكون لكم قول يحكى؟ وتكونوا أمة على حدة؟ أم قد أتاكم فى هذا الباب علم لم يأت الناس؟ فإن قالوا أتانا فيه علم ، قيل : أفمن نظر ذلك العلم أم خبر؟ فان قالوا من نظر. قيل لهم ، فكأنكم تعنون أنكم نظرتم فى نظم القرآن ونظم كلام العرب ووازنتم فوجدتموه لا يزيد إلا بالقدر الذى لو خلّوا والاجتهاد وإعمال الفكر ، ولم تفرّق عنهم خواطرهم عند القصد اليه أو العمد له لأتوا بمثله؟ فان قالوا : كذلك نقول : قيل لهم فأنتم تدّعون الآن أن نظركم فى الفصاحة نظر لا يغيب عنه شىء فى أمرها ، وأنكم قد أحطتم علما بأسرارها ، وأصبحتم ولكم فيها فهم وعلم لم يكن للناس قبلكم ، وإن قالوا : عرفنا ذلك بخبر ، قيل : فهاتوا عرّفونا ذلك. وأنّى لهم تعريف ما لم يكن ، وتثبيت ما لم يوجد» (١) وهكذا فند الجرجانى منهجهم.
الجرجانى والمفسرون :
وهو يردد سخرية المتكلمين من المفسرين الذين يتعاطلون التفسير بغير علم ، مما يذكرنا بالنظام والجاحظ ونوادرهما معهم. يقول الجرجانى : ومن عادة قوم ممن يتعاطى التفسير بغير علم ، أن يتوهموا أبدا فى الألفاظ الموضوعة على المجاز والتمثيل ، أنها على ظواهرها ، فيفسدوا المعنى بذلك ، ويبطلوا الغرض ويمنعوا أنفسهم والسمع منهم ، العلم بموضوع البلاغة ، وبمكان الشرف ، وناهيك بهم إذا هم أخذوا فى ذكر الوجوه ، وجعلوا يكثرون فى غير طائل ، هناك ترى ما شئت من باب الجهل ، قد فتحوه ، وزند ضلالة قد قدحوه ، ونسأل الله تعالى العصمة والتوفيق (٢).
الجرجانى بين أهل الظاهر والمعتزلة
أولا : أهل الظاهر :
ويقصد بهم أهل التفريط فى فهم آى القرآن الكريم الذين ذهبوا مذاهب تنبو عن أقوال أهل التحقيق فيما فهموا من آيات (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ)
__________________
(١) المصدر السابق ـ ٦٢٣.
(٢) الجرجانى ـ الدلائل ـ ٢٠١.