وأما عن الصرفة فالقول فيها قد اعتورته الأقلام ، وعالجته أفكار المتكلمين من معتزلة وأشاعرة. وهذا الجرجانى يعالج القضية من جانب ، فالصرفة عنده مرفوضة (١) ومن ثم ، نراه يعدد لهؤلاء ما لا يتصورون أن قولهم سيصل إليه من :
ـ أن يكون العرب قد تراجعت حالها فى البلاغة والبيان فى جودة النظم وشرف اللفظ.
ـ أن يكونوا قد نقصوا فى قرائحهم وأذهانهم وعدموا الكثير مما كانوا يستطيعونه.
ـ أن تكون أشعارهم التى قالوها والخطب التى قاموا بها قاصرة عما سمع منهم من قبل ذلك القصور الشديد.
ـ أن يكون قد ضاق عليهم فى الجملة مجال قد كان يتسع لهم ، ونضبت عنهم موارد قد كانت تغزر وخذلتهم قوى قد كانوا يصولون بها.
ـ وأن تكون أشعار شعراء النبى صلىاللهعليهوسلم التى قالوها فى مدحه عليهالسلام وفى الرد على المشركين ناقصة متقاصرة عن شعرهم فى الجاهلية.
ـ وأن يشكّ فى الذى روى عن شأن حسان نحو قوله عليهالسلام «قل وروح القدس معك» لأنه لا يكون معانا مؤيدا من عند الله ، وهو يعدم مما كان يجده قبل كثيرا ويتقاصر أنف حاله عن السالف منها تقاصرا شديدا (٢).
ومنهج القادحين فى القرآن يرينا أنهم بالغوا فى حسن الظن بأنفسهم وتوسعوا فى أمرهم ، وحاولوا أن يكونوا متبوعين فى رأيهم منفردين فى قضيتهم حتى يتميزوا عن الناس ويشار إليهم بالإعجاب ، وهؤلاء ينبغى أن يقال لهم ، «ما هذا الذى أخذتم به أنفسكم؟ وما هذا التأويل منكم فى عجز العرب عن معارضة القرآن؟
__________________
(١) يقول فى الدلائل «أنه لو لم يكن عجزهم عن معارضة القرآن ، وعن أن يأتوا بمثله ، لأنه معجز فى نفسه ـ لكن لأن أدخل عليهم العجز عنه ، وصرفت همهم وخواطرهم عن تأليف كلام مثله ، وكان حالهم على الجملة حال من أعدم العلم بشيء قد كان يعلمه ، وحيل بينه وبين أمر كان يتسع له ، لكان ينبغى أن لا يتعاظمهم ولا يكون منهم ما يدل على إكبارهم أمره وتعجبهم منه ، وعلى أنه قد بهرهم. وعظم كل العظمة عندهم. بل كان ـ ينبغى أن يكون الإكبار منهم والتعجب للذى دخل من العجز عليهم. ص ٢٤٥ ومن المباحث الكلامية التى وردت فى الدلائل ـ التحدى وشروطه ص ٢٥٠.
(٢) الجرجانى ـ الرسالة الشافية ـ ٦١٢.