فمن المعلوم ضرورة أنهم لم يقولوا ذلك بل كانوا بين أمرين :
١ ـ أما أن يخبروا عن أنفسهم بالعجز والقصور وذلك حين يخلو بعضهم ببعض.
٢ ـ وإما أن يتعلقوا بما لا يتعلّق به إلّا من أعوزته الحيلة ، ومن فلّ بالحجة من نسبته إلى السحر ، وما فى مستواه من خلط ، ومما لا شك فيه أنهم كانوا قد علموا أن صورة أولئك صورتهم ، وأن التقدير فيهم ، أنهم لو كانوا فى زمان النبى صلىاللهعليهوسلم ، ثم تحدوا إلى معارضة لكانوا فى مثل حال هؤلاء الكائنين فى زمانه.
ومن هنا ننتهى إلى حقيقة يقينية مؤداها أن القرآن الكريم معجز ، ناقض للعادة وأنه فى معنى قلب العصا حية ، وإحياء الموتى ، فى ظهور الحجة به على الخلق كافة.
ودائما ما يثير المتكلمين جانب معارضة القرآن تلك التى تنسب إلى عباقرة الشعر والنثر ـ وكثيرا ما أوضح المتكلمون تهافته. وكأنى بالمعارضين قد تعلقوا به وبشدة ، واستمالوا به الناس ، فلزم المتكلمين أن يشرحوا خبث طواياه وتهاوى أركانه. أنهم يقولون : لقد جرت العادة بأن يبقى فى الزمان من يفوت أهله حتى يسلّموا له وحتى لا يطمع أحدا فى مداناته وحتى ليقع الإجماع فيه أنه الفرد الذى لا ينازع ، ثم يحددون أسماء كان لها شأنها فى الشعر والنثر كامرئ القيس ، والجاحظ وأترابهما كلّ مذكور بأنه كان أفضل أهل صناعته فى عصره.
ويجيب الجرجانى عليهم. محددا أو لا المقصود من قول القائل «هذا أفضل الشعراء وأفضل الكتاب» بأن الشرط فى المزية الناقضة للعادة أن يبلغ الأمر فيها إلى حيث يبهر ويقهر حتى تنقطع الأطماع عن المعارضة أو المداناة من صاحب هذه الصفة (١).
فمن من الشعراء سلم له أنه كان فى وقت من الأوقات قد بلغ أمره المزية والعلو على أهل صناعته هذا المبلغ؟ امرؤ القيس؟ قد عارضه علقمة الفحل وقصتهما مشهورة ، وحتى إجماع الناس على أنه أشعر الشعراء لم يصف له خالصا ، فكثيرا ما اضطربت الناس بين أسماء شاركته الفحولة ونازعته القمة.
__________________
(١) انظر الجرجانى ـ الرسالة الشافية ـ ٥٩٠.