ولكن ـ هذه القصص التى تروى لأناس أسلموا باعجاز القرآن ، فكيف تؤخذ قصصهم حجة ، والأولى أن نذكر قول الكافرين للكافرين حين اختلوا بأنفسهم وتحدثوا فى شأن القرآن ، ثم نجادلهم فيما قالوا ، حتى لا نحتج عن الخصم برأى نراه. وبقول نقوله نحن؟
ويجيب الجرجانى على هذه الشبهة بأن الدلالة ليست من نفس القول ، وذات الصفة بل فى مصدرهما ، وفى أن أخرجا مخرج الأخبار عن أمر هو كالشيء البادى للعيون (١) فالاعتماد هنا على الخبرة وذويها وعلى مقتضى العلم ، وليس على الصفة من جانب كفر أو ايمان.
وإذا كان القرآن معجزا ، وفائتا لما يستطيعه العرب من ضروب النظم وأنواع التصرف فقد وجب القطع بأنه معجز لأحد سببين :
١ ـ أما أن يكونوا قد علموا مقدار الفرق بين النظم والنظم والنسج والنسج ، فأقروا وانتهى الأمر (٢).
٢ ـ وأما أنهم قد توهموا هذه المزية لغلط دخل عليهم أو لمرض ، أصابهم ، وثانى الأمرين ، لغو يقال والذى يقال أنه : قد علمنا أنهم يقدمون شعراء الجاهلية على أنفسهم. ويقرون لهم بالفضل ، ويجمعون على أن امرأ القيس وزهيرا والنابغة والأعشى من أشعر العرب ، وإذا كان ذلك كذلك ـ فمن أين لنا أن نعلم أنهم لم يكونوا بحيث لو تحدوا إلى معارضة القرآن لقاموا بها واستطاعوا؟
ويجيب الجرجانى ـ بأن هذا الفصل ـ على ما فيه لا يقدح فى موضع الحجة ، ذلك أنهم كانوا يرون أشعار الجاهليين وخطبهم ويعرفون مقاديرهم فى الفصاحة معرفة من لا تشكل جهات الفضل عليهم ، فلو كانوا يرون فيما رووا مزية على القرآن ، أو رأوه قريبا منه لكانوا يدّعون ذلك ، ولو ذكروه لذكر عنهم (٣).
__________________
(١) انظر الجرجانى ـ الرسالة الشافية ـ ٥٨٦.
(٢) قارن بين هذا وبين ما ذهب إليه القاضى فى تعريف الصرفة عنده «أنا نقول إن دواعيهم انصرفت عن المعارضة لعلمهم بأنها غير ممكنة على ما دللنا عليه ، ولو لا علمهم بذلك لم تكن لتصرف دواعيهم ـ لأنا نجعل دواعيهم تابعة لمعرفتهم بأنها متعذرة ـ» عبد الجبار ـ إعجاز القرآن ـ ٣٢٤.
(٣) انظر الجرجانى ـ الرسالة الشافية ـ ٥٨٧.