وتتلخص دلائل الأحوال فى نظره ، فيما يلى :
(ا) المتعارف من عادات الناس وطبائعهم أن لا يسلّموا لخصومهم بالفضيلة وهم يجدون سبيلا إلى دفعها ، ولا ينتحلون العجز وهم يستطيعون قهرهم والظهور عليهم.
(ب) وإذا كان واجبا ، فكيف يجوز أن يظهر فى صميم العرب ، وفى مثل قريش ذوى الأنفس الأبية من يدعى النبوة وحجّته كتاب عربى مبين يعرف العرب ألفاظه ويفهمون معانيه ، إلا أنه تحداهم أن يأتوا بمثله أو بعشر سور منه أو بسورة ، ثم لا تدعوهم نفوسهم إلى أن يعارضوه ويبيّنوا سرفه فى دعواه مع إمكان ذلك؟.
(ح) هل يجوز أن يخرج خارج من الناس على قوم لهم رئاسة ولهم دين ونحلة ، فيؤلّب عليهم الناس ، ويدبر فى إخراجهم من ديارهم وأموالهم وفى قتل صناديدهم وكبارهم وسبى ذراريهم وأولادهم ، وعمدته التى تجد بها السبيل إلى تألّف من يتألفه ، دعوى له إذا أبطلت بطل أمره كله ، ثم لا يعرض له فى تلك الدعوى ولا يشتغل بإبطالها مع إمكان ذلك ، ومع أنه ليس بمعتذر ولا ممتنع؟
إذن فالطبيعة البشرية؟ وطبيعة العرب النفسية ، وطبيعة الدعوى التى جاء بها الرسول تؤدى فى وضوح ، إلى العجز التام عن أبطال حجة النبى صلىاللهعليهوسلم (١).
أما دلالة الأقوال (٢) : فيذكر عنها الجرجانى ـ أنها كثيرة ـ منها حديث ابن المغيرة ، وما حدث لعتبة بن ربيعة ، ومنه ما جاء فى سبب إسلام أبى ذر ، روى أنه قال : قال لى أخى أنيس : إن لى حاجة إلى مكة فانطلق ، فراث ، فقلت : ما حبسك؟. قال : لقيت رجلا يقول إن الله تعالى أرسله ، فقلت : فما يقول الناس؟ قال : يقولون : شاعر ساحر كاهن ـ قال أبو ذر : وكان أنيس أحد الشعراء ، فقال : تالله لقد وضعت قوله على أقراء الشعر فلم يلتئم على لسان أحد ، ولقد سمعت قول الكهنة ، فما هو بقولهم ، والله أنه لصادق وأنهم لكاذبون. وفى هذا السبيل ، رواية الوليد ابن عتبة بطبيعة الحال.
__________________
(١) انظر الرسالة الشافية فى كتاب الدلائل ـ تحقيق محمود شاكر ص ٥٨٠.
(٢) انظر المصدر السابق ص ٥٨١ وما بعدها.