وفى النهاية ، يقرر النتيجة التى وصل إليها وهى «أن نظم القرآن من الأمر الإلهى ، وأن كلام النبى صلىاللهعليهوسلم من الأمر النبوى» (١).
أما إذا أراد هذا الدارس مزيدا من البيان فعليه أن يتأمل ما سينسخه له الباقلانى من خطب الخلفاء الراشدين والصحابة والخطباء البلغاء ليقع له «الفضل بين كلام الناس وبين كلام رب العالمين ، ويعلم أن نظم القرآن يخالف نظم كلام الآدميين» (٢).
وليس الأمر مقصورا على فن النثر فقط ، فالشعر كذلك «لا يمتنع أن يكون أبلغ إذا صادف شروط الفصاحة وأبدع إذا تضمن أسباب البلاغة» (٣).
وهنا أيضا يقارن ـ بين شعر أجود الشعراء وبين كلام رب العالمين ، واختار قصيدة شهيرة لشاعر معروف وهى (قفانبك) لامرئ القيس. ويقول الباقلانى «أنت لا تشكّ فى جودة شعر امرئ القيس ، ولا ترتاب فى براعته ولا تتوقف فى فصاحته ، وتعلم أنه قد أبرع فى طرق الشعر أمورا أتّبع فيها من ذكر الديار والوقوف عليها إلى ما يتصل بذلك من البديع الذى أبدعه التشبيه الذى أحدثه ... ونظم القرآن جنس متميز وأسلوب متخصص ، وقبيل عن النظير متخلص ، فإذا شئت أن تعرف عظيم شأنه فتأمل فى هذا الفصل لامرئ القيس فى أجود أشعاره وما نبين لك من عواره على التفصيل ، وذلك فى قوله (قفانبك) (٤).
ثم ينتقل إلى الوجه الآخر من المقارنة ، فيقول عن القرآن «فأما نهج القرآن ونظمه وتأليفه ورصفه ، فإن العقول تتيه فى جهته ، وتحار فى بحره ، وتضل دون وصفه» (٥) ويحلل بعض الآيات الكريمة «ما رأيك فى قوله (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً ، يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ ، يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي
__________________
(١) الباقلانى ـ إعجاز القرآن ـ ١٣٦.
(٢) نفس المصدر ـ ١٥٣.
(٣) نفس المصدر ـ ١٥٥.
(٤) نفس المصدر ـ ١٥٨ و ١٥٩.
(٥) نفس المصدر ـ ١٨٣.