البديع. فى حديث الرسول صلىاللهعليهوسلم وفى كلام البلغاء ثم تلاها بذكر طائفة من طرق البديع الكثيرة التى اشتمل عليها مع بيان معانيها وذكر شواهد لها أيضا من القرآن الكريم ، وكلام البلغاء ، واعتبر هذا العرض توطئة للدخول فى شرح كيفية الوقوف على إعجاز القرآن (١) وفيه يبين أن جهد الأعجمى فى إدراك الإعجاز ، إذا أراد إدراكه أن يعرف أن أهل اللسان أنفسهم عاجزون ، إذن فهو أعجز منهم فى ذلك بالضرورة ، أما العربى ذو الدرجة الوسطى فى الفصاحة ، فيرى الباقلانى أن شأنه لا يختلف كثيرا ، فهو ومن ليس من أهل اللسان ، سواء ، وأما من كان قد تناهى فى معرفة اللسان العربى ووقف على طرقها ومذاهبها فهو يعرف القدر الذى ينتهى إليه وسع المتكلم من الفصاحة ، ويعرف ما يخرج عن الوسع ، ويتجاوز حدود القدرة فليس يخفى عليه إعجاز القرآن كما يميز بين جنس الخطب والرسائل والشعر وكما يميز بين الشعر الجيد والردىء والفصيح والبديع والنادر والبارع والغريب (٢).
فمبلغ ما يصل إليه المتناهى فى الفصاحة أن يدرك أنه عاجز أمام القرآن وروعته.
وأخيرا يحدد المنهج الذى سيسير عليه للوصول إلى إثبات الاعجاز القرآنى ، وهو منهج مقارن ، استعرض فيه أولا نتاج الشعراء والكتاب والبلغاء والآراء المختلفة فيه ، وفرّق بين غثّه وسمينه ثم حدد مهمة الناقد ، وإنها لجليلة ، إذ تتلخص فى كشف الخصائص الذاتية للنتاج الأدبى مهما تشابه مع نتاج آخر فى النوع أو فى الخاصية ، وألقى على النقاد عبئا ثقيلا ، فهم الوحيدون الذين يدركون إعجاز المعجز عن طريق دراساتهم المستفيضة فى أسرار نتاج البشر ، وما نتاجهم بمعجز ، ولكن عن طريقه يدرك المعجز لذا ، يضع أمام الناقد أمثلة توضح له «الفرق بين الكلام الصادر عن الربوبية الطالع عن الإلهية» وبين الكلام البشرى ، شعرا ونثرا ، ليبين له وجه النقص فيه ويدله على انحطاط رتبته ووقوع أبواب الخلل فيه (٣).
وتطبيقا لهذا المبدأ المقارن ، قدم الباقلانى نموذجا لخطب الرسول صلىاللهعليهوسلم ، ولكتب النبى إلى كسرى والنجاشى ولنسخة عهد الصلح مع قريش عام الحديبية ،
__________________
(١) نفس المصدر ـ ١١٣.
(٢) الباقلانى ـ إعجاز القرآن ـ ١١٣.
(٣) نفس المصدر ـ ١٢٦.