وما أشبه ذلك من الوجوه التى تعرف بها الفصاحة» (١) ثم قال «وهذا الذى يزعمونه غير صحيح ، فلو كان القرآن سجعا ، لكان غير خارج عن أساليب كلامهم ولو كان داخلا فيها ، لم يقع بذلك إعجاز ، ولو جاز أن يقولوا : هو سجع ، لجاز أن يقولوا : شعر معجز ، كيف؟ والسجع مما كان يألفه الكهان من العرب ، ونفيه من القرآن أجدر بأن يكون حجة من نفى الشعر ، لأن الكهانة تتنافى مع النبوات ، وليس كذلك الشعر» (٢).
وقد عقد الباقلانى فصلا طويلا من كتابه وكان فى «ذكر البديع من الكلام» (٣) لأنه تصور أن سائلا يسأل : هل يمكن أن يعرف إعجاز القرآن من جهة ما تضمنه من البديع؟ فيجيب ، بأن البديع بأشكاله المتعددة «ليس فيه ما يخرق العادة ، ويخرج من العرف ، بل يمكن استدراكه بالتعلم ، والتدريب به والتصنع له كقول الشعر ورصف الخطب وصناعة الرسالة والحذق فى البلاغة ، وله طريق يسلك ، ووجه يقصد وسلّم يرتقى فيه إليه ، ومثال قد يقع طالبه عليه ، فربّ إنسان يتعود أن ينظم جميع كلامه شعرا وآخر يتعود أن يكون جميع كلامه سجعا ، أو صنعة متصلة ، لا يسقط من كلامه حرفا ، وقد يتأتى له ما قد تعوده .. فأما شأو نظم القرآن فليس له نظام يحتذى عليه وإمام يقتدى به ، ولا يصحّ وقوع مثله اتفاقا ، كما يتفق للشاعر البيت النادر والكلمة الشاردة ، والمعنى الفذ الغريب والشيء القليل العجيب» (٤).
ثم يعود مقيّدا هذا الكلام الذى أطلقه معترفا بنصيب القرآن من البديع قائلا «وإنما لم نطلق القول إطلاقا لأنا لا نجعل الإعجاز متعلقا بهذه الوجوه خاصة ووقفا عليها ومضافا إليها وإن صحّ أن تكون هذه الوجوه مؤثرة فى الجملة آخذة بحظها فى الحسن والبهجة» (٥).
وما ذكره هنا جاء فى خاتمة عرض طويل عن الألفاظ التى تضمنت بعض أنواع
__________________
(١) نفس المصدر ـ ٥٧.
(٢) نفس المصدر ـ ٥٧ و ٥٨.
(٣) الباقلانى ـ إعجاز القرآن ـ ٦٦.
(٤) نفس المصدر ـ ١١١ و ١١٢.
(٥) نفس المصدر ـ ١١٢.