وذلك هو نهج الطغاة الذين لا يستطيعون الرد الفكري على طروحات الإيمان والصلاح ، فيعمدون إلى إثارة الأجواء الانفعالية الإرهابية المضادّة التي تشوّه صورة المؤمنين والمصلحين من جهة ، وتهدّد وجودهم وسلامتهم من جهة أخرى ، لتضغط عليهم نفسيّا وجسديّا حتى يتراجعوا عن دعوتهم الإيمانية وخطتهم الإصلاحية.
ويبقى للمؤمنين والمصلحين ، الذين يتحملون مسئولية الدعوة إلى الله في دائرة الإيمان والصلاح ، أن يثبتوا ويتماسكوا ويواجهوا الكلمة بكلمة أقوى منها ، والموقف بموقف أشد منه ، والقوّة بعزم أكثر صلابة ، وأشدّ حسما. وهكذا وقف هؤلاء الرسل الدعاة الثلاثة ، فلم ينهزموا ولم يسقطوا أمام التهويل الكلامي والعملي الذي حاول الكافرون إثارته في وجوههم ، بل (قالُوا طائِرُكُمْ) الذي تعتبرونه رمزا للتشاؤم ، وقد كان يغلب عليهم التشاؤم بالطير فغلب الاسم على الفكرة (مَعَكُمْ) فإن الشؤم الذي تتحسبون له وتخافون منه وتعملون على طرده من ساحتكم ، هو في عمق هذه الساحة ، وسببه ما تحمله أفكاركم من الكفر والشرك ، وما تعيشه مشاعركم من الحقد والبغضاء ، وما تتحرك به أوضاعكم من الانحراف والكذب والرياء ، فهذه الصفات هي التي تربك حياتكم وتمنعها من الهدوء والصفاء وتبعدها عن خط الاستقامة والرحمة والمحبة والوداعة والسلام ، وتجعلكم في غفلة عن الحقيقة الإلهية التي تفتح الحقيقة الإنسانية على الأفق الرحب الذي يشرق فيه الخير والحق والعدل والأمان.
(أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) بالحق المتمثل بوجود الله وتوحيده ومنهجه السليم في الحياة ، أعرضتم عنه وبقيتم تترددون في أجواء الغفلة المطبقة المستولية على عقولكم ومشاعركم ومواقفكم في الحياة ، (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ) لا تعيشون في خط التوازن الذي يحسب حساب الأشياء بدقّة ، ويحاكمها بعمق ، ويتحرك في اتجاهها باستقامة ، بل تتجاوزون ـ بفعل شرككم وضلالكم ـ الحدود