خاضعين لفكرة خاطئة في تصوّر شخصية الرسول الذي ينبغي أن يكون ملاكا بنظرهم ولا يمتّ إلى البشر بصلة ، وعلى ضوء ذلك ، فلا يمكن أن يكون هؤلاء رسلا لأنهم بشر كبقية البشر ؛ ف (قالُوا ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) مما تدّعونه من الوحي الذي تحملونه وتريدون أن تبلّغونا إياه ، (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ) لتحصلوا على مكانة اجتماعية مميّزة بيننا من خلال القداسة التي تصفون بها موقعكم.
(قالُوا رَبُّنا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ) فليست القضية موضع تردّد لدينا ، بل هي الحقيقة الواضحة ، ولذلك فلن يجعلنا هذا الأسلوب الرافض للرسالة في موقع التراجع ، لأننا نملك شهادة الله التي هي فوق كل شهادة ، فهو الذي أرسلنا وهو الذي يعلم صفتنا الرسالية ، فلا قيمة لتكذيب أيّ مكذب أو تشكيك أيّ مشكّك ، وستظهر الحقيقة في نهاية المطاف ، وسنتابع السير على هذا الأساس ، (وَما عَلَيْنا إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) فتلك هي مهمّتنا التي نقوم بها في ساحتكم ، لتقوم الحجة عليكم من الله الذي سوف يحاسبكم على كل ما تقومون به من جحود وكفران.
(قالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) أي تشاءمنا بوجودكم بيننا ، لأنكم تمثلون الاتجاه الذي بريد أن يثير المشاكل في داخلنا ، فيفرّق بيننا ، ويفصلنا عن مقدساتنا ، ويبعدنا عن الجوّ الهادىء المستقر الذي يخيّم علينا ، مما يجعل وجودكم شؤما كلّه ، ولذلك فإننا نطلب منكم أن تغيّروا طريقتكم ، وأن تكفّوا عن كل هذا الحديث ، ودعونا نتابع السير وفق عاداتنا وتقاليدنا بكل راحة واطمئنان ، و (لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا) عن ذلك (لَنَرْجُمَنَّكُمْ) بالحجارة حتى ندميكم أو نقتلكم ، (وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِيمٌ) بأساليب ووسائل أخرى مما يسبّب لكم الآلام الشديدة ، ويعرّفكم نتائج مواجهتكم لمقدّسات الآخرين.