أصحاب القرية في مواجهة المرسلين
وهكذا ينقلنا القرآن إلى التاريخ ، حيث واجه المرسلون الدعاة إلى الله المواقف الصعبة التي تتحداهم فيها قوى الكفر بكل أساليب التمرد والجحود ، فلا تستمع إليهم ، ولا توافق على الدخول في حوار معهم ، ولكنهم لا يتراجعون ، بل يستمرون في الدعوة وإعلان الموقف لأن كلمة الرسالة لا بد من أن تقال وتتحرك مع الآذان الصمّاء والمواقف الرافضة ، لتفرض نفسها على الجوّ ، أو لتنفذ من خلال ثغرة طارئة من هنا ، ونافذة مفتوحة على القلب من هناك ، لتبدأ الطريق من الموقع الصغير ، فالتراجع في البداية أمام تحديات الآخرين ، يفرض أن لا تبدأ الرسالة ، باعتبار أن القوى المضادّة تقف أمام البدايات لتهزمها حتى لا تفرض نفسها على الساحة بعد ذلك.
وهكذا يريد القرآن أن يحدثنا عن تاريخ الحركة الرسالية ، من دون دخول في التفاصيل ، لنستلهم من ذلك صلابة الموقف أمام التحدي ، وطبيعة الذهنية الكافرة المتحجرة التي لا تنفتح للحق ولا للحوار.
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جاءَهَا الْمُرْسَلُونَ) الذين أغفل الله ذكر ملامحهم الشخصية في أسمائهم وصفاتهم ، كما أغفل ذكر اسم القرية وموقعها ، لأن القصة ليست لتفصيل التاريخ ، بل لأخذ العبرة. وتحدث المفسرون عن أن هؤلاء المرسلين من حواريي عيسى عليهالسلام ، ولكنهم ذكروا تفاصيل القصة بما لا يتفق مع أجواء هذه الآيات مما لا جدوى في تحقيقه والجدل فيه.
(إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما) وقيل : إنهم ضربوهما وعذبوهما وكادوا يقتلونهما ، (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ) وقيل : إنه شمعون وصي عيسى الذي أرسله ليخلّصهما ، (فَقالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ) لندعوكم إلى توحيد الله وعبادته والسير على نهجه القويم وصراطه المستقيم ، ولكن القوم من أهل القرية كانوا