(فَأَغْشَيْناهُمْ) في ما أثارته السدود من غطاء على عيون قلوبهم (فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ) لأن البصر لا يستطيع أن يتعرف الطريق إلا في المدى الواسع الذي يسمح بالامتداد ، ولا يستطيع أن يكشف الطريق المملوءة بالحواجز المنتصبة في الفضاء.
(وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) لأنهم فقدوا إرادة الإيمان التي تدفعهم إلى البحث والتفكير ، ولذلك فإنهم يرفضون الانفتاح على كل حديث في هذا الموضوع ، ولا يسمحون لأحد أن يناقشهم حوله ، مما يجعل الكلام عبثا لا طائل تحته.
* * *
بين الخشية والحساب
(إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ) هؤلاء الذين انفتحت قلوبهم على الوحي فأصغوا إليه بمسامع قلوبهم ، وأدركوا الحقيقة الكامنة في معناه ، وعاشوا مع الله في وجدانهم الفطري ، ومشاعرهم الروحية ، فاكتشفوا حقيقة وجوده ووحدانيته التي يدل عليها كل ما في داخلهم وما في الكون من آيات ، فخافوا منه ، وإن لم يشاهدوه بفعل ستار الغيب الذي يحجبه ، ولكنهم يعيشون الهدى الذي يدركون ملامح وجوده بالحس ، وإن لم يستطيعوا الوصول إلى الإحساس به بشكل مباشر ، وهم بفضل هذه الروح العميقة الكامنة في شخصياتهم ، استطاعوا أن يصلوا إلى الإيمان بالذكر وخشية الرحمن بالغيب من خلال الإنذار ؛ ويمكن الوصول من خلال ذلك إلى الدخول في كل التفاصيل الأخرى التي تمثل المفردات الفرعية للإيمان. (فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) لأنه يستحق البشرى بالمغفرة الإلهية على ما أخطأ فيه ، والأجر الكريم على ما عمله ، وذلك لاستقامته على الخط الإيماني الذي يتحرك فيه.
(إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا) من أعمال الخير والشرّ