(وَآثارَهُمْ) من النتائج السلبية أو الإيجابية ، مما يبقى من أعمالهم بعد الموت ، كبناء مشروع عباديّ أو تربويّ أو خيريّ ، أو تأليف كتاب ينتفع به الناس من بعده ، أو بناء دار للهو والفجور والكفر ، أو تأليف كتاب يضل به الناس ، إن الله يثبّت ذلك في صحائف أعمالهم ليواجهوها غدا عند ما يقفون للحساب في يوم القيامة ، (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) وهو الكتاب الذي أحصى به كل الأشياء من موجودات ومعلومات مما يتصل بكل مخلوقاته ، وهو اللوح المحفوظ ، على رأي بعض المفسرين ، استنادا إلى أنه تعالى يثبت كلامه في كتاب يحصي كل شيء ، ثم لكل أمة كتاب يحصي أعمالها ، ثم لكل إنسان كتاب يحصي أعماله كما قال تعالى : (وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩] ، وقال : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) [الإسراء : ١٣] ، وظاهر الآية يقضي بنوع من البينونة بين كتاب الأعمال والإمام المبين ، حيث الفرق بينهما بالعموم والخصوص وباختلاف التعبير بالكتابة والإحصاء.
ولكن هناك رأيا آخر يفيد أن المراد بالإمام المبين هو صحف الأعمال ، ولعل الأساس فيه هو مناسبته لصدر الآية ليكون بمثابة الكبرى للصغرى ، بحيث يكون المعنى ، إننا نكتب ما قدموا وآثارهم في ما نحصيه من كتاب أعمالهم ، للتأكيد على وجود كتاب يتضمن ذلك كله.
وقد لا يكون من الضروري أن يكون هنا أنواع من الكتب ، للإنسان الذات ، وللأمة ، وللموجودات كلها ، بل هو نوع من ترتيب الأمور في مواقعها في ما يراد الإشارة إليه من إحاطة علم الله بكل ذلك ، فقد لا نتصور معنى لوجود كتاب للأفراد ، إلى جانب كتاب آخر للأمة ، لأن ذلك يمثل تكرير كتاب الأفراد في نسخة ثانية ، لأن الأمة هي الأفراد مجتمعين ، أمّا اختلاف التعبير بالكتابة والإحصاء ، فليس بشيء لأنه لون من تنويع الأسلوب ، والله العالم.
* * *