(لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ) من هؤلاء الذين رفضوا الإيمان رفضا قاطعا ، بحيث لا مجال لأيّة تجربة أخرى في إدارة الحوار معهم حول الموضوع ، وذلك من موقع التمرد المعقّد ، لا من موقع القناعة الفكرية ، ولذلك وجب القول عليهم ، وهو العقاب الذي ينتظرهم عند الله (فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فلا إمكان للمغفرة والرحمة لهم في هذا الموقع. وربما كان المراد القول : فهم لا يؤمنون وفق ما سبق من علم الله ، في ما يعلمه من أسباب الأشياء من الأمور الاختيارية والتكوينية ، أي لقد سبق القول على أكثرهم أنهم لا يؤمنون ، فحق عليهم قوله ، والله العالم.
* * *
جعلنا في أعناقهم أغلالا
(إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ) كأنهم قد ملأت الأغلال ما بين صدورهم إلى أذقانهم ، فبقيت رؤوسهم مرفوعة إلى السماء لا يتأتى لهم أن ينكسوها فينظروا إلى ما بين أيديهم من الطريق فيعرفوها ويميزوها عن غيرها.
وقد اختلف في تفسير الفكرة التي تتضمنها الآية ، في عدة وجوه ، ذكرها صاحب مجمع البيان :
«أحدها : أنه سبحانه إنما ذكره ضربا للمثل ، وتقديره : مثل هؤلاء المشركين في إعراضهم عما تدعوهم إليه كمثل رجل غلّت يداه إلى عنقه لا يمكنه أن يبسطهما إلى خير ، ورجل طامح برأسه لا يبصر موطئ قدميه ، عن الحسن والجبائي ، قال : ونظيره قول الأفوه الأزدي :
كيف الرشاد وقد صرنا إلى أمم |
|
لهم عن الرّشد أغلال وأقياد |
ونحوه كثير في كلام العرب.