النهاية عنده ، لتلتقي به كل الأهداف الكبيرة التي يريد للإنسان أن يحققها ويبلغها بفضل جهده العملي في الحياة ، فلا تنحرف حركة السير عن الاتجاه الذي تلتقي فيه نقطة البداية بنقطة النهاية.
وهكذا كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم القدوة المثلى في الاستقامة على الخط الذي دعا إليه ، فلم ينحرف عنه بكلمة ، ولم يبتعد عنه بحركة ، بل كانت حياته كلها إسلاما يتجسد ، وقرآنا يتحرك ويشاهد (تَنْزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) الذي يحفظ بعزته كتابه من إعراض المعرضين وجحود الجاحدين وتحريف المحرّفين ، فلا يستطيع كل هؤلاء أن يسقطوه ، أو يضيّعوه ، أو يمنعوه عن الحركة الدائمة في امتداد الزمان والمكان ، وفي كل مواقع الإنسان ، وذلك من مواقع رحمته التي كانت أساسا لإرسال الرسول ، وإنزال القرآن عليه ، ليرحم الناس بالرسول وبالقرآن الذي يهديهم إلى سواء الطريق.
(لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) وهم قريش الذين كانوا يعيشون مع العرب المحيطين بهم في فراغ من الرسل ، فقد ابتعد عنهم عهد الرسالات ، وتحجّرت العقلية الجاهلية الحاملة للشرك والوثنية في داخل شخصياتهم ، مما جعلهم يعيشون البعد النفسي عن جوّ الرسالة في مفاهيمها الروحية ، وفي خطها التوحيدي ، الأمر الذي يفرض على الرسول الكثير من الجهد والمعاناة في سبيل إيجاد ثغرة فكرية أو روحية في هذا الجدار الصلب المتحجر القائم في داخل نفوسهم ، الذي يمنعهم من قبول أيّة دعوة مخالفة لما يلتزمونه من خط الآباء والأجداد ، (فَهُمْ غافِلُونَ) لأنهم ابتعدوا عن كل آفاق اليقظة في رحاب الرسالات ، الأمر الذي أفقدهم رؤية الاحتمال المضاد ، ليناقشوه في أنفسهم بما يهز قناعاتهم ، من خلال الشك الذي يوحي به الاحتمال ، وتتحرك به المناقشة ، فتتحرك الرسالة في هذا الجو ، لتستفيد من ذلك كله في تحرك عملية التغيير الداخلي في الفكر والشعور.