فيسبحونه إعلانا للطاعة ، وابتعادا عن المعصية ورغبة في ثوابه ، وخوفا من عقابه. إنه الخوف الذي يحرّك الإحساس بالمسؤولية في وعي المخلوق ، انطلاقا من الإحساس الواعي بالعظمة ، وليس الخوف الذي يستحق الذات ويسقط إحساسها بالحياة ، (وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ) ويصرفها عمن يشاء ، وهذا المعنى يوحي به جوّ الآية ، ولعل الاقتصار على فقرة التخويف بإرسال الصواعق ، سببه أنّ السياق هو سياق التخويف والترهيب.
(وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ) بين من يشك فيه وبين من يشرك به ، من دون حجة يستندون إليها ، ولا برهان يعتمدون عليه. وبذلك يخبطون خبط عشواء في جدالهم ، منطلقين من استبعادات لا أساس لها ، أو موروثات لا حجة عليها. ولو انفتحوا على آيات الله في الكون ، وتأملوا في مظاهر عظمته ومواقع نعمته ، لما جادلوا بالباطل ، بل لكانوا انطلقوا في طريق أحق بكل قوة وانفتاح ، ولأدركوا كيف ينبغي لهم أن يخافوا الله ويحذروا عقابه ، فلا يستهينوا بتوحيده. (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ) أي شديد القوة والقدرة ، فلا يعجزه هؤلاء الذين يجحدونه أو ينكرون توحيده ، أو يتمردون عليه ، فسيأخذهم بالعذاب أخذ عزيز مقتدر.
(لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِ) بما يوحيه إلى رسله من فكر يلتزم به الناس ، وعمل يقومون به ، ومنهج يتبعونه ، ومفاهيم يحملونها ، وشريعة يسيرون عليها على أساس الحق ، دون أن يترك أية ثغرة تحدث فراغا في أفكارهم ومشاعرهم وخطواتهم العملية في الحياة. وهكذا تكون الاستجابة لله استجابة للحق في كل شيء ، وانطلاقة في الصراط المستقيم الذي لا يقترب إليه الانحراف ، لأن الباطل إنما يكون نتيجة فقدان الوضوح في الرؤية ، أو نتيجة عقدة ضعف تحركها حالة رغبة أو رهبة تستغل الباطل في الوصول والهروب.
* * *